من سيدفع ثمن "اللاحياد"؟

التحري | مجد حرب | Monday, March 15, 2021 3:27:15 PM


بعد انفجار أوَّل قذيفةٍ في سوريا واشتعال الحرب فيها، بدأت رهانات البعض في لبنان على الدور الذي قد يلعبونه في عمليَّة إعادة الإعمار. ولكن، مع دخول الشركات الروسيَّة والصينيَّة إلى الواجهة، خفت ضوء تلك الآمال والطموحات، علمًا أنَّ فُتات ما قد يصل إلى المتعهِّدين اللبنانيين، كفيلٌ بإحداث فرقٍ إيجابي في الداخل اللبناني. ولا يمكن لأحدٍ إنكار أنَّ أكثر من يستحقُّ الانتفاع ممَّا قد تدرُّه عمليَّة إعادة الإعمار من أرباح، هو لبنان. إذ إنَّه قد دفع، مُكرهًا، ثمن الصراع السوري على عدَّة أصعدة، سواء أكان ذلك عبر التمويل اللامباشر للاقتصاد السوري بأموال المودعين على شكل "بضائع مدعومةٍ ومهرَّبةٍ عبر الحدود"، أو عبر تحمُّل عبء اللاجئين، أو عبر اصطفاف الحزب الإيراني الحاكم في لبنان إلى جانب النظام الأسدي الذي يقتل شعبه، فضلًا عمَّا في ذلك التدخُّل من جانبٍ سلبي يتمُّ التغاضي عنه، وهو "صعوبة إعادة انخراط المقاتلين في المجتمع."

غالبًا ما يواجه الأفراد العسكريُّون أو المقاتلون الذين ينتقلون من التنظيم العسكري إلى خوض الحروب، تحدِّياتٍ كبيرةً مع "عودتهم إلى الحياة المدنيَّة". إذ يتطلَّب ترك القتال العسكري، تلبية احتياجات الصحَّة العقليَّة وإنشاء دائرةٍ جديدة من العلاقات، تؤمِّن بعض من الشعور الارتباط بها. فإعادة تأسيس شعورٍ جديدٍ في المجتمع، أمرٌ ضروري للمحاربين الذين ينتقلون من حالة الحرب المتواصلة إلى حالة السلام والمدنيَّة. ومع ذلك، فإنَّ تطوير شعورٍ جديد بالترابط هو أحد التحدِّيات العديدة التي قد تواجههم. ولا يُعرف الكثير عن الدور الذي قد تلعبه الترابطيَّة الاجتماعيَّة في تعزيز نتائج الانتقال الإيجابيَّة.

في هذا السياق، نذكر مثالًا من التجربة الأميركيَّة، حيث اعتُبِرت "عمليَّة إعادة انخراط المقاتلين" في محيطهم المدني، كإحدى أهمِّ التداعيات السلبيَّة للحروب. وتشير الدراسات إلى صعوباتٍ يواجهها العسكريُّون بعد خوضهم الحروب على صعيد احترامهم القوانين المدنيَّة لدى العودة، أو التأقلم مع المجتمع، أو التعايش مع التغيُّرات السلبيَّة في الإدراك والمزاج التي قد تسبِّب التهيُّج، والعدوانيَّة، ومضاعفاتٍ على الصحَّة النفسيَّة، وعدم القدرة على حلِّ النزاعات من دون اللجوء إلى العنف. فهم أكثر عرضةً لاضطرابات النوم، وتغيُّرات الحالة المزاجيَّة، والسلوك المتهوِّر، وتعاطي المخدِّرات والعزلة. من هنا، وضعت الإدارة الأميركيَّة خطَّةً بمليارات الدولارات للتعامل مع الوضع وتشجيع الأنشطة التي تعزِّز الشعور بالتواصل البنَّاء مع الأفراد والمجتمع.

كذلك، وخلال الاجتياح السوفياتي لأفغانستان، توافد المقاتلون من كافَّة الدول الإسلاميَّة للمشاركة مع المقاومة الأفغانيَّة في محاربة الجيش السوفياتي. وبعد انتهاء النزاع، عاد هؤلاء إلى بلادهم التي دفعت، على الرغم من بعدها الجغرافي، ثمن الحرب الأفغانيَّة. وفي بلدان إفريقيا الشماليَّة، لم يتمكَّن المقاتلون من الانخراط في المجتمع، ما أدَّى إلى تكتُّلهم في عصاباتٍ متطرِّفةٍ مدرَّبة ومسلَّحة، خلقت مشكلةً أمنيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة في البلاد. لم يكن بالتالي أمام تلك الدول سوى محاربة هذه الظاهرة بالقوَّة، ودفْع العصابات جنوبًا نحو الصحراء التي أصبحت اليوم منطقةً خطيرة، وتجسَّد ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، بنقل "رالي دكار" إلى صحارٍ أخرى خوفًا من الهجمات الإرهابيَّة المتكرِّرة.

لذا، وبالعودة الى لبنان، تشير الدراسات إلى مشاركة ما يقارب الـ3000 مواطن لبناني في الاقتتال الدائر في سوريا، يتبع معظمهم لمنظَّمة حزب الله المسلَّحة التي ضربت مبدأ النأي بالنفس، وأرسلت مقاتلين لحماية نظام الأسد. مقاتلون عاشوا الفوضى والدمار على مدى أكثر من عشر سنوات؛ مقاتلون لم يعرفوا دولة القانون طوال هذه الفترة؛ ومقاتلون اعتادوا حلَّ نزاعاتهم بقوَّة السلاح. ومن المتوقَّع أن يعود هؤلاء بعد انتهاء الحرب إلى دولةٍ فقيرة، أمنها متفلِّت، يديرها تحالفٌ حاكمٌ بقوَّة سلاح الحزب الذي ينتمون إليه. وهنا نسأل، كيف سيتأقلمون مع الوضع الجديد حيث يحتكم الشارع لفائض القوَّة؟ وكيف سيتصرَّف من اعتاد على القتل والترهيب ما إذا جاع أو تعرَّض لحادث سيرٍ بسيطٍ أو غيره؟ كيف سيلجأ إلى القانون من اعتاد السلاح؟ وكيف سيتعايش من تعوَّد على الحرب في السلم؟ وهل يمكنه الاندماج من دون حصوله على الرعاية المناسبة؟

لا يملك لبنان مليارات الدولارات لإعادة تأهيل مواطنيه العائدين من خيار "اللاحياد"، ولا هو محدودٌ بصحراء شاسعة لكي يدفع "بعصابات المقاتلين العائدين" إليها... وستأتي نهاية الحرب السوريَّة بعبءٍ آخر على اللبنانيين، ومن المرجَّح أن يدفع اللبناني منَّا ثمن خياراتٍ لم يتَّخذها، لا شخصيًّا ولا على مستوى الدولة الرسميَّة. بالمحصِّلة، يبدو أنَّنا سنضطرُّ إلى الاحتماء ممَّن يربط قتاله على الجبهات الإيرانيَّة للتوسُّع، بحمايتنا!

بحث

الأكثر قراءة