هل يتعلم الرئيس الحريري من حكمة الوزيرة الهندية أوشا ثاكور؟

التحري | | Wednesday, July 21, 2021 5:33:23 PM


فتات عياد
تدخل إلى صفحة الرئيس سعد الحريري عبر تويتر، وتنقر على الصورة الخلفية للحساب، فترى رئيس الحكومة الأسبق ضاحكاً والناس "خلفه" ضاحكون، في صورة "سيلفي" وَثّقت منذ 3 سنوات، ضحكاتهم. فتسأل، هل ما زالوا يضحكون؟
والحريري الذي اشتُهر بـ"السيلفي" وجماهير تيار المستقبل "خلفي"، توجه للنساء في مهرجان نظمه قطاع المرأة في تيار المستقبل على أبواب انتخابات العام 2018 النيابية، بالقول، "أنا أعدكنّ بأمر واحد، إذا عملنا جميعا بشكل صحيح، سآخذ سلفي مع كل واحدة منكن بإذن الله"، داعياً إياهن إلى التصويت بكثافة للوائح تيار المستقبل...

ضحكات اللبنانيين استحالت دموعاً...

والسيلفي كانت استراتيجية بحد ذاتها، اتّبعها الحريري في حملته الانتخابية الأخيرة، خلال جولاته وصولاته في المناطق ومؤتمراته، حتى أن شعبيته في السيلفي، بدت أكبر من شعبيته في صناديق الإقتراع، بعد تراجع كتلة المستقبل النيابية من 36 نائباً عام 2009 إلى 19 نائباً عام 2018. وإذا كان اعتماد النسبية في الانتخابات سبباً في هذا التراجع، لكنه بلا شك ليس الوحيد!
وكان برنامج الحريري الانتخابيّ، عدا عن الـ"900 ألف وظيفة"، عبارة عن وعود قطعها رئيس التيار الأزرق لجمهوره بالتقاط صور السيلفي معهم. حتى أن الرجل أنشأ تطبيقاً يخوله مع مناصريه تحميل تلك الصور، وذلك قبل أقل من أسبوعين من موعد الانتخابات البرلمانية.
كما أن الرجل يهوى السيلفي لأجل السيلفي، وهو يلتقط هذا النوع من الصور مع إعلاميين وفنانين، بل حتى مع مسؤولين ورؤساء دول، كصورته التي التقطها في باريس وجمعته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والعاهل المغربي الملك محمد السادس.
ويدرك الرئيس المعتذر مؤخراً عن تأليف الحكومة، المعروف بتلقائيته أمام الكاميرا، يدرك كيفية النظر إلى عدساتها جيداً، لكنه لا يدرك النظر خلفه بعمق، إذ خلف تلك الضحكات المتمترسة وراءه في الصورة، دموع أناس ما عادت اليوم بخير، تماما كالليرة المنهارة، والتي كان تيار المستقبل يفتخر ويفاخر بأنها بخير مع أن "العملات حولنا منهارة!" .
وها هو لبنان منهار اليوم، بضحكات أبنائه التي استحالت دموعاً، على وقع انفجار هز العاصمة بيروت في 4 آب الماضي، وعلى وقع أزمة اقتصادية لم يشهد لبنان لها مثيلاً، وعلى وقع انفجار اجتماعي وأزمة نظام قد تأخذ البلاد على كل الاحتمالات، لا سيما "الجهنميّ" منها.

تسوية "جهنم"

وتنّين "الحريرية السياسية" ضخّ النيران لسنوات في جهنم لبنان الإقتصادية. فازداد الشرخ الطبقي في البلاد وتعمق الفساد فيها. لكن أبواب جهنم فُتحت –رسمياً- على مصراعيها بعد التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً، فدشّن الرئيس الحريري جنباً إلى جنب مع ولي عهد عون، رئيس تكتل لبنان القوي، النائب جبران باسيل، أبواب "قعر جهنم".
أما حزب الله، الراعي الأكبر للتسوية الرئاسية، الذي أدخل البلاد في فراغ رئاسي كرمى لعيون العماد، فوقف خلف الحريري وباسيل لحظة فتحهما أبواب جهنم على اللبنانيين، وكان بنتائج ذلك "يعلم". لكن عدسات سيلفي الحريري، لا تلتقط هذا النوع "المرعب" من الصور. ويقف عداد الانهيار عندها، في يوم 7 أيار، فتُحمّل سلاح حزب الله وحده، تبعات الإنهيار اللبناني!
ومع قلة إنجازات الحريري السياسية، الرجل الذي أفلس قسم من شركاته وصرف عدد من موظفيه وأغلقت مؤسساته الإعلامية... ومع فشله حتى في "الشعبوية"، عبر قراراته السياسية التي تمشي عكس "تيار" جمهور تياره الأزرق، كانت السيلفي أكثر إنجازات الحريري الشعبوية نجاحاً، نظراً لتطور هاتفه الذكي ودقة صوره ربما!
والحريري الذي "ضيّع" وقت اللبنانيين 9 أشهر، ظنّ فيها أنه قادر على استنساخ تجربته كرئيس حكومة في "التسوية الرئاسية"، بنسختها الأولى، لن يألو جهداً في تضييع وقتهم وفرصهم بالنجاة من قعر جهنم، إن لم يكن هو المنقذ –ولو صورياًّ- منها.
فالرجل الذي تراجعت شعبيته بشكل غير مسبوق، وخرجت انتفاضة 17 تشرين عام 2019 من معقل بيئته السنية، فثارت عليه وأخرجته من السراي الحكومي، ما عاد لديه الكثير ليخسره، مع غياب راع دولي جدي له، أو أقله، مع انتفاء توافق دولي حوله.
ولعل أحبّ جملة اليوم على قلب الرجل هي "عليّ وعلى أعدائي"! من هنا يُفهم إعلانه عدم تسميته رئيس حكومة مكلف بعده، هو الذي يُعرِّف عن نفسه بأنه الزعيم السني "الأقوى" ضمن بيئته، وهو معيار الإقامة في السراي الحكومي الأوحد، وفق عدسة كاميرا طموحات الحريري السياسية!
وصحيح أن الحريري اليوم بعيد عن السراي، لكنه يتربع على عرش السلفي من بين الزعماء العرب، إلا أن تقنية التصوير هذه "مضيعة للوقت"، للعاملين في الشأن العام، وفق حكمة الوزيرة الهندية أوشا ثاكور. وإذا لم تكن مضيعة وقت للحريري، فأقله، كانت كذلك لمن قاموا بأخذ صور السيلفي معه!

في خدمة الشأن العام...

ولن يكون الرئيس الحريري مسروراً، عند يسمع بإعلان الوزيرة الهندية فرضها على من يرغبون بالتقاط صور "سيلفي" معها ضريبة قدرها 100 روبية هندية (1.34 دولار أميركي)، فربما سيخجل من الأسباب التي دفعتها لذلك، أو ربما سيندم على تفويته أموالاً، في زمن الإفلاس السياسي لزعماء المنظومة اللبنانية!
وجاء قرار وزيرة الدولة لشؤون السياحة والثقافة الهندية، أوشا ثاكور التي تنتمي لحزب "بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي" الحاكم في ولاية ماديا براديش بالهند، نظراً لأن "لكثرة من يريدون التقاط السيلفي معي"، وهي "عملية تستغرق وقتا طويلا"، لذا "سأتقاضى من الآن فصاعدا أموالا ممن يريدون ذلك".
هكذا إذاً، يبدو وقت وزيرة السياحة في الهند "مليئاً"، ولا وقت لديها "لتضييعه"، على عكس الحريري الذي كان يجول ويصول في بقاع الأرض خلال مدة تكليفه، فهي لديها أمور تفعلها لبلادها، أهم من التقاط السيلفي مع محبيها، لكنها في الوقت عينه على استعداد لتلبية رغبتهم، بشرط تعويض الوقت المهدور من عملها العام، للصالح العام!
إذ أن الأموال التي سيتم جمعها من صور "سيلفي" ستذهب إلى صندوق رعاية أسسه رئيس الوزراء ناريندرا مودي لمكافحة انتشار عدوى كوفيد-19 في الهند.
وفي الإطار، قالت الوزيرة "يضيع الكثير من الوقت في التقاط صور سيلفي، وغالبا ما نتأخر عن مواعيدنا.. من وجهة النظر التنظيمية للحزب اعتقدنا أن أي شخص ينقر على هاتفه بغرض التقاط صورة معي يجب أن يدفع 100 روبية للوحدة المحلية للحزب".

مسؤولون... لا آلهة!

وليس هذا كل شيء، فالوزيرة أوضحت أنه "في ما يتعلق بالترحيب بي بواسطة الزهور، نعلم جميعا أن الإلهة "لاكسمي" تسكن فيها ولذلك فلا أحد غير الإله الأعلى "فيشنو" يمكنه قبول الزهور..
هي إذاً ليست من مصاف الآلهة، على عكس ما يوحي به زعماء لبنان، أمراء الطوائف، لأتبعاهم. ففي بلاد الأرز جوهر التبعية السياسية كان لعقود "تكليفاً" دينياً وطائفياً بل ومناطقياً وإقطاعياً!
والوزيرة الهندية إذ ترفض تلقي الزهور" فهي تفضل عليها الكتب". وهي لا تخشى المثقفين من شعبها إذاً، ولا تخشى كذلك انتخابات نقابة مهندسين تتمحور حول أصوات "النخبة".
وصحيح أن شعار تيار المستقبل الإنتخابي الأخير كان "نحنا الخرزة الزرقاء"، لكن لا شيء يحسد عليه الرئيس الحريري اليوم في صورته السياسية، فيما صور السيلفي مع جمهوره خبت ضحكاتها، ويُسمع منها صوت أنين الناس، بل أن بعضهم مزّق الصورة، و"بلّها"، ومن قلة المياه التي تؤمنها الدولة، استخدم مياهها للخدمة المنزلية!

بحث

الأكثر قراءة