عمادة كلية الطب في الجامعة اللبنانية "مذعورة"... والطالب هادي شماع: قضيّة كلّية!

التحري | | Friday, July 23, 2021 3:47:28 PM


فتات عياد
ككرة الثلج تتدحرج قضية الطالب في كلية الطب، في الجامعة اللبنانية، هادي شماع، لتتحول إلى قضية رأي عام، بعد تأجيل الإعتصام الداعم له، والذي كان مقرراً اليوم، على إثر تمديد عمادة الكلية لعطلة العيد، في محاولة منها لاحتواء غضب طلابها رداً على "طردها التعسفي بحق شماع" وفق محامي المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، الذين تبنوا قضيته.
وقرار طرد هادي لمدة شهر، تزامن مع امتحاناته في الجامعة، أي أن طرده أتى بشكل مخالف للأصول القانونية، فهو صدر عن العمادة وليس عن رئاسة الجامعة.
وذنب شماع أنه أعاد نشر منشور، يتهم فيه أحد الأطباء، عميد الكلية يوسف فارس بإجبار طلابه على وضع اسمه واسم ابنه في أبحاثه. هذا "الفعل" حُوّل هادي بسببه إلى المجلس التأديبي في الكلية، الذي كال له الشتائم، "مربّحاً" إياه "جميلة" التعلم "مجاناً" في الجامعة الرسمية، ومندداً بما كتبته "أخته على صفحتها الخاصة عن العميد". ليتبلغ بعدها قرار حرمانه من امتحاناته.
وسياسة القمع ليست وليدة اليوم في الجامعة اللبنانية، لكن أخطر ما في حالة هادي، هو استخدام العميد لمنصبه الأكاديمي، بهدف التشفي من طالب قام بنشر تغريدة. هي "شخصنة" واستغلال نفوذ إذاً، حصلا في الجامعة الرسمية، فاستدعيا "انتفاضة طلابية"، تخشى العمادة تمردها على واقع الكلية ككل...

نهج وليس مشكلة عابرة

إذ يبدو أن الجامعة الرسمية -وهي صورة مصغرة عن المجتمع اللبناني- ليست بمنأى عن موجة التغيير و"الإنتفاضة الشعبية"...
وهي ليست "رمانة" بل "قلوب ملآنة"، في كلية الطب. سيما وأن سياسة القمع وكذلك التشفي، باتت "نهجاً" يمارس فيها، في عهد العميد يوسف فارس تحديداً.
إذ أيضاً، وعلى خلفيّة رسالة داخليّة ناقدة للوضع التنظيمي في كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية وأجور الطلاب المتدرّبين، استدعى العميد ثلاثة طلاب إلى المجلس التأديبي، واستصدر قراراً تأديبياً بتأخير التخرج لطالبين منهما.
أما توصيف واقع الكلية اليوم، فجاء على لسان عميدها المؤسس د. منير أبو عسلي الذي عنون منشوره على فايسبوك قائلاً "هادي شمّاع: قضية كلّية". ورأى بقرار حرمان شماع من التقدم الى الامتحانات، "خسارة لسنته الجامعية".
وسأل، لقد اتخذ هذا القرار التأديبي بسبب مشاركة الطالب منشوراً "مسيئاً للعميد"، لكن الطالب ألغاه فوراً ومن تلقاء نفسه واستبدله بكتاب اعتذار علني، ثم قام بالاعتذار وجاهياً من العميد ومن مجلس الكلية. أوَ ليس هذا كافياً؟".
وأضاف "هل تستحق هكذا مخالفة عقوبة بهذه الدرجة من القساوة؟ وهل من العدل أن يخسر طالب يقال انه نجيب ومن الاوائل في دفعته، سنته الجامعية لمجرد مشاركته منشوراً على الفيسبوك؟".
هذا وذكّر بأحكام النظام التأديبي في الجامعة اللبنانية التي نصت أن العقوبة تبدأ بالتنبيه، يليه التأنيب، ثم الفصل عن الجامعة لمدة تتراوح بين الاسبوع والشهر، ومن ثمً الحرمان من حق التقدم الى الامتحانات. مع العلم أن البت بانزال عقوبة الحرمان من الامتحانات ليس من صلاحيًات مجلس الكلية، بل هو يعود الى رئيس الجامعة مستندا إلى قرار مجلس الجامعة (المادًتان ٦١ و٦٢) .
ورأى في "قمع العميد تحرّك الطلاب الذين رفضوا الدخول الى قاعة الامتحان تعاطفاً مع زميلهم هادي، ومعاقبتهم بوضع علامة صفر على امتحانهم"، وقائع ومخالفات تنمّ عن وضع "غير صحي" تعيشه كلية العلوم الطبية منذ فترة، لافتاً إلى أن "هذا ما حذّرنا منه في كتاب مفتوح الى رئيس الجامعة اللبنانية في ٢٢ نيسان ٢٠٢٠، لافتين إلى خطر عدم الالتزام بالمعايير الاكاديمية وعدم احترام القوانين المرعية الاجراء، الكفيلة وحدها بصون مستوى الشهادة، وقدسية مهنة الطب، وسمعة الكلية والجامعة.

التوظيفات السياسية... "أصل البلا"!

ولفهم أكبر لوضع الكلية في "عهد" العميد يوسف فارس، لا بد من التذكير أنه عميد "بالوكالة" وليس "بالأصالة".
وفي عهده أيضاً، وهو مدير مستشفى مستشفى الزهراء، عُيِّن رؤساء أقسام جدد من مستشفى الزهراء ينتمون إلى حركة أمل، ومن مستشفى الجعيتاوي، ينتمون إلى التيار الوطني الحر، معظمهم من غير الاكاديميين، كرمى لعيون التوظيفات السياسية.
والعميد الذي لا وقت لديه لمقابلة وفود من طلابه، أو قبول اعتذار هادي، في عهده حصلت مباريات الدخول التي سُميت بـ"الفضيحة الأكاديمية"، وفق توصيف "أساتذة الحراك في الجامعة اللبنانية".
فقد تم تغيير نتائج مباراة الدخول وتعديل لوائح الناجحين، وعندما تنبه الطلاب إلى "الكارثة"، قيل وقتها أن التعديل ناجم عن خطأ في تصحيح مسابقة اللغة الفرنسية.
وربط أساتذة الحراك بين التعيينات "الطائفية والمذهبية" التي قام بها رئيس الجامعة اللبنانية لرؤساء الدوائر والأقسام في كلية الطب، الذين "لا يتمتعون بالشروط الاكاديمية المناسبة وعينوا على نحو مخالف للأنظمة والقوانين المرعية الاجراء"، وما رافقها من
"أخطاء قاتلة" في امتحانات الدخول، ما أضرّ "بسمعة الجامعة اللبنانية".
وذكّر وقتها أساتذة الحراك بـ"تساؤل الأوساط الاكاديمية عن العوامل التي حملت د. فؤاد أيوب، رئيس الجامعة، على تعيين د. يوسف فارس عميدا لكلية الطب، مع العلم ان هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل رفضت ترشيحه لهذا المنصب بسبب بلوغه بعد اشهر قليلة سن التقاعد"، سائلة "وهل يمدد له بعد بلوغه سن الـ 64، لانه في قرار التكليف ذكر انه يبقى في منصبه حتى تعيين عميد بالاصالة؟”.
أما اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، فنّبهت للعواقب الوخيمة للتعيينات منذ ٢٧ نيسان ٢٠٢٠، وكان قد تقدم محاموها بمراجعة إبطال للقرار على اعتبار انه "قد تمّ تجاوز حد السلطة خلال اتخاذه لمخالفته القانون ولاساءة استعمال السلطة ولاعتماده المعايير الطائفية والحزبية على حساب الكفاءة". وأشار المرصد منذ أيام إلى أن "القضاء المتباطئ والذي يتساوى مع القضاء المتخاذل لم يبت بالطعن".

الجامعة تنتفض... والرأي العام أيضاً!

وذهب آخرون إلى أصل المشكلة، مشككين بقدرة ابن العميد، وهو شاب في مقتبل العمر، على إنجاز "أكثر من 60 بحثاً في أقل من عشر سنوات"، مقارنين عدد أبحاثه بأبحاث علماء قضوا حياتهم في الأعمال البحثية، كماري كوري (32 بحثاً) وماكس بلانك (10 أبحاث).
في المقابل، رأى أحد أساتذة الجامعة، أن التضامن الذي مارسه طلاب كلية الطب مع زميلهم هادي، "أهم من أي اختصاص علمي وتقني". كيف لا وهم يعرفون على من يتمردون، ومع هذا لم يخشوا التمرد لأجل حق هادي بالتعلم!
بدوره، أطلق النادي العلماني في الجامعة اللبنانية تحركاً تحت عنوان "تراجع يا عميد". هذا ودعمت شبكة مدى التحرك، لـ"تجمع من أجل جامعة وطنية حرة"، فـ"كلنا هادي".
أما رابطة طلاب الجامعة اللبنانية، فرأت أن "مجالس التأديب في الجامعة اللبنانية بالطريقة التي تُستخدم فيها وبحسب ممارسة المسؤولين، ليست سوى وسيلة بيد المدراء والعمداء ومجالس الكليات "للإنتقام" من الطلاب وتصفية حسابات "شخصية" معهم".

وبما أن القضية باتت قضية رأي عام، أصدرت "لحقي" بياناً تضامنياً، رأت فيه أنه "في بلد العجائب فقط، من المُرجّح تخسر سنةً دراسيّةً، بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعيّ". مدينةً "هذا القمع الممنهج"، ومعلنة "التضامن مع الطالب 'هادي شماع' ورفاقه. كما دعت "الجميع للانضمام إلى الاعتصام الطلّابيّ"، الذي تأجل بطبيعة الحال، بما أن العمادة مددت عطلة العيد، هرباً من الاعتصام، لا فرحاً بأيام العيد!
هذا وأكد بيان لحقي على أن "نضالنا ما زال مستمرًّا للإطاحة بالمنظومة وأدواتها من الجامعات والنقابات وكلّ مؤسّسات الدولة".
من هنا يفهم شعار "الجامعة اللبنانية تنتفض"، ومن هنا أيضاً يفهم شعار "لتحرير الجامعة اللبنانية". فهذه قضية تمس بسمعة أطباء لبنان وخريجي جامعته الرسمية، آخر ضمانة لمستوى التعليم في بلد اضمحلت فيه الطبقى الوسطى، فالعلم "نور" والفساد فيه الكثير من "العتمة"!

بحث

الأكثر قراءة