دعاوى بتهمة "جريمة القتل بالقصد الإحتمالي": من يحتكر الدواء "قاتل" وأصل الإحتكار توقيع لوزير الإنتصارات حمد حسن

حقوق الناس | | Sunday, August 29, 2021 12:31:11 PM


فتات عياد – التحري

منذ أشهر، ماتت الطفلة جوري السيد، بعد صراع طويل من البحث لها عن حبة دواء تخفض حرارتها، ولم يهز موتها ضمائر محتكري الدواء. ولا هزتهم دموع مريضة في مظاهرة مرضى السرطان ببيروت منذ أيام، هم الذين استفادوا من "تطنيش" وزير الصحة الذي وهبهم بتوقيع منه ما قيمته 600 مليون دولار من الأدوية المدعومة. أصل البلاء والإبتلاء توقيع، وعدم مراقبة وتفلت واضح المعالم... وبما أن "لا نية جرمية" يمكن إثباتها على "رأس الوزارة" الذي ترك أمر صحة الناس إلى ضمائر الموزعين، لم يكن أمام ريما تناني إلا رفع دعوى "الشروع بالقتل" بحق محتكر دواء ابنتها عصام خليفة، الذي لم يكن مستودعه يبعد عن منزلها سوى 10 دقائق من الوقت، لكن نمو ابنتها الجسدي والعقلي، كان رهن إيجادها للدواء "المفقود"!

يتصدر الوزير حمد حسن مشهد "المُخلّص"، في حين كان امتناعه عن اعطاء الأذونات بلا حسيب أو رقيب كفيل بأن يحمي أموال الناس التي هُدرت ولا يُعرف حتى الساعة "أين هي كل تلك الأدوية التي دعمها مصرف لبنان". إلا أنه اختار صرف النظر مدة ستة أشهر على الأقل دون مساءلة! وقت طويل سمح لخروج غالبية الأدوية المدعومة من أرض الوطن، وما تم مداهمته اليوم لم يشكل حتى الساعة ما نسبته 1% مما أٌنفق!
ومن عين المريسة وربيع حسونة "زلمة تيار المستقبل"، إلى عصام خليفة، "الحاج" الذي ينتمي لحزب الله، يتفنن محتكرو الدواء بقتل اللبنانيين، جشعاً وطمعاً بالمال، فيما يكتفي وزير الصحة حمد حسن ببضعة مداهمات، وإجراء "تعهدات" بحقهم، بعد تخفيف ذنبهم، في عيون الناس.

لكن اللبنانيين، سواء الذين يعانون من أمراض مستعصية ومزمنة، او الذين لا يتحتاجون أكثر من حبة "بانادول"، يدركون أن حرمانهم من الدواء يعني الشروع بقتلهم، وهو ما دفع بالمحامي عادل بزي لرفع دعوى القتل الاحتمالي بحق اثنين من محتكري الدواء، لتتوالى بعدها الدعاوى بحق هؤلاء.

ادعاءات شخصية

وميزة الإدعاء الشخصي أنه أقوى من الحق العام، لناحية صعوبة تسييس القضية وطمسها، وكان المحامي حسن بزي، أول مَن تقدّم ظهر الأربعاء الماضي بادّعاءٍ شخصي بشأن قضية احتكار الدواء، كمدع شخصي، وذلك في النيابة العامّة الاستئنافيّة في مدينة صيدا، هو المتضرر من فقدان دواء زوجته في السوق، وهو دواء يعانون الغدة الدرقية، ملازماً لهم طوال الحياة.
هذا ودعا بزي المتضررين لرفع تقرير طبي عن حاجتهم لدواء معين، مع صورة عن هويتهم، وتقديم شكوى متله بجرائم القصد الاحتمالي للقتل والايذاء.

وفي حديث لـ"التحري"، يوضح بزي أن هدفه من الشكوى ينطلق من تضرر عائلته على الصعيد الشخصي، لكنها دعوة عامة أيضاً، تهدف لتشجيع اللبنانيين للشروع بقضايا مماثلة في سبيل محاسبة المحتكرين.
وحتى الساعة، تقدم 10 أشخاص بهدف رفع دعاوى ضد المحتكرين الذين داهمت وزارة الصحة مستودعاتهم، ويضيف بزي "مع بداية الأسبوع المقبل سأرفع الشكاوى كموكل عنهم بحق محتكري الدواء".
والجرم الذي يتهم به بزي هؤلاء المحتكرين، هو "جريمة القصد الاحتمالي"، التي يعرفها قانون العقوبات على أنها "إقدام على فعل كان يمكن له ان يتسبب بموت أحدهم"، ما يعتبر جريمة قتل مقصود في حال حصل الموت بالفعل".
ويعطي مثالاً عن جرائم القصد الاحتمالي "كأن يطلق أحدهم النار على ألف مواطن في الشارع وهو يدرك أنه بالإمكان ان يصاب أحدهم بإحدى الطلقات حدّ الموت"، فالقصد الاحتمالي للقتل توافر لدى هذا الشخص، الذي يدرك ببساطة أن فعلته قادرة على التسبب بالقتل، ولم يثنه إدراكه عن الشروع بالفعل!

وتنطبق جريمة القصد الإحتمالي على محكتر الدواء، "فعدم تناول المريض للدواء قد يؤدي لوفاته"، ومحتكر الدواء الذي لا يبيعه، ويحرم المريض منه، قانونياً، يشرع في قصد احتمالي للقتل، عدا عن مخالفته قانون الصيدلة، وقانون حماية المستهلك، ومسه بالأمن الاقتصادي والصحي للبلاد.

منظومة القتل الاحتمالي

في الإطار، نسأل بزي عن تطابق صفة الإدعاء بين النواب المدعى عليهم في جريمة انفجار مرفأ بيروت، ومحتكري الدواء، لناحية "جريمة القصد الاحتمالي"، وما إذا كان احتكار الدواء أسلوباً جديداً من أساليب قتل المنظومة السياسية للبنانيين، سيما وأن محتكري الدواء بمعظمهم، مغطون سياسياً.

بدوره، يعلّق بزي بالقول "المنظومة التي تحكمنا تقاتلت 27 عاماً في الحرب الاهلية، وهؤلاء القتلة والفاسدون، وقتل على الهوية وحكمت حكماً عسكرياً وشرّعت الخوات، فماذا عسانا ننتظر منها في أيام السلم؟ هي المنظومة القاتلة نفسها لبست ثيابا مدنية وما زاتلت ترتكب الجرائم بحق الشعب".

لكن هذا الواقع المرير، "هو نتيجة بصمة اصبعنا في الانتخابات، ولأكون واقعيا، فكما تكونون يولى عليكم. وغالبية الشعب في لبنان، طائفيون مذهبيون اعطوا الحصانة لأمراء الحرب، فتمكنوا منا والمشكلة فينا أولاً وآخراً إذ ليس هناك ملك لو لا العبيد"، وهذا النظام مرتع للفاسدين والتجار الذين يخدمون النظام ويتغذون ومنه، فيما لا تزيد نسبة الوطنيين الحقيقيين التغييريين عن الـ 20% من الشعب، وها نحن نحاول أن نتصدى للمحتكرين، وقاتلي شعبنا".

كلنا معنيون

بدوره، يعاني نزيه خلف من داء السكري، بنسبة تعرضه للجلطات وخطر الموت، وهو ملزم بأخذ حبة من دوائه galvus met بشكل يومي، لكنه منذ شهرين، بدأ يعاني صعوبة في تأمينه، حتى فقده بالكامل وحاول التواصل مع عدة جهات لمؤسسته، لكن الدواء كان مقطوعاً من السوق بشكل كامل.
"وهو دواء مؤثر جداً على صحتي"، يقول خلف مضيفاً "كنت أحياناً لا أجد إلا ظرفاً واحداً، ما اضطرني لتقنين كمية الدواء التي آخذها، حتى بت آخذ حبة دواء كل أربعة أيام، أي أنني تقشفت على صحتي، وعرضتها، رغماً عني، للخطر!".

وأنا شخص محتاج لهذا الدواء وهو العلاج الوحيد لاستمراريتي في هذه الحياة، وكمواطن لبناني من حقي الحصول على هذا الدواء وطالما لدينا وزارة صحة، عليها تأمينه لنا، يضيف خلف، الذي كان يخشى من تفاقم انعدام عشرات الأدوية في السوق وصعوبة تأمينها، لكن الصدمة الكبيرة له كانت "احتكار أطنان الأدوية من قبل محتكرين مجرمين".

والدافع الشخصي ليس وحده ما دفع بخلف للتوجه بشكوى ضد محتكري الدواء، "فحياتي معرضة للقتل المباشر، وهناك من أخفى عني الدواء. لكنني أخشى على ابنتي وأخي وأمي وأصدقائي من ألا يجدوا الدواء، فالدافع المجتمعي أيضاً يحثنا على منع الاحتكار، فهو جريمة يجب أن ينال صاحبها عقابه، ليكون عبرة لغيره".

من هذا المنطلق، يدعو خلف اللبنانيين، ألا يسكتوا على الجريمة، فكلنا مسؤولون ولنضع إصبعنا على الجرح بالمباشر على الأقل يستطيعون محاسبة الجناة الصغار، فالعيش الكريم والطبابة والدواء حق، والقتلة كُثر.

نفسية مجرمة

بعد تعذر تأمينها الدواء لابنتها، وبعد ايام من القلق والتوتر والخوف من تأثير انقطاع الدواء على نمو ابنتها الجسدي والعقلي، وبعد سعيها لتأمينه من طرابلس، هي القاطنة جنوب لبنان، وبعد دقّها أبواب المهجر، طلباً من شقيقها المغترب إرسال الدواء، تشاهد ريما تناني، مداهمة لوزير الصحة، تبعد عن منزلها 10 دقائق من الوقت، حيث يقول الوزير للمحتكر عصام خليفة "إتيروكس ما في ولا قطعة بالسوق عندك آلاف القطع؟!"، ليرد خليفة "طيب بعتّن للسوق وبعدين؟شو بعمل بعدين؟يفترض ينراح على الشركات...".

وكلمة "وبعدين" هذه، بسببها لم تدع تناني صيدلية في منطقتها إلا وبحثت لابنتها عن الدواء، خوفاً من عدم تلقيها الدواء، وبترا ومنذ أن كان عمرها 13 يوماً، تعاني من مشكلة في الغدة الدرقية، ويتوجب عليها أخذ الإتيروكس يومياً، وإلا فنموها الجسدي والعقلي معرض للتوقف. وانقطاع الدواء جعل تناني ترسم سيناريوهات مخيفة في عقلها لخلل بالنمو في جسد صغيرتها، وأكثر ما أرعبها وأحزنها هو عدم إمكانية تعويض الخلل في غياب نقص الدواء.
والدواء المقطوع من السوق، الذي بقيت بترا 8 أيام متواصلة من دونه، لدى خليفة الآلاف منه، وسعره 9 آلاف ليرة فقط. وهنا تسأل تناني "أي ثروة هذه التي سيجنيها منه؟"، معلقة بالقول "هي نفسية مجرمة لا أكثر ولا أقل"!

دعوى معلقة!

ولأن بترا وبقية الأولاد يستحقون أكثر من أن نبكي حرقة على حرمانهم من الدواء، ولأن أضعف الإيمان التصدي للمحتكرين على الأقل إذا لا يمكن محاسبة الوزير المعني "كان يجب أن نتحرك ونتصدى للمحتكرين، فاستشرنا محامياً وتبين انه بإمكاننا تقديم دعوى كأهل بوجه محتكري الدواء. لكن الصدمة أنني كأم بحاجة لتوكيل من زوجي، ما أجّل رفع الدعوى ريثما نحضر التوكيل، لكن أي بلاد هذه التي أمنع فيها عن رفع دعوى للدفاع عن حق ابنتي، وهل أنا قاصر كأم لبنانية في نظر قانون الأحوال الشخصية في لبنان؟!"، تسأل تناني.
من جهة أخرى، وما زاد إصرارها على رفع الدعوى، هو تفلت المحتكرين من العقاب، إذ انتهى الموضوع بتوقيعهم تعهداً كمن "يبوس التوبة".
وهذا الموضوع "مع أبعاده الجرمية"، بدا "سخيفاً بنظر وزير الصحة حمد حسن والمرجعيات السياسية في البلد، تماماً كحياتنا الرخيصة بالنسبة لهم". تضيف تناني.
وهي إذ تصر على رفع دعوى "شروع بالقتل" وليس احتكار دواء، تشدد على ان المحتكر "خبأ الدواء فساهم في قتل المرضى وأحث كل أم لديها طفل يعاني من مرض مزمن على التقدم بشكوى ضد المحتكرين، فانا أؤمن بدولة المؤسسات والقانون وألجأ إليها على مضض رغم ضعفها، علّنا بعدة شكاوى نستطيع إحداث فرق". سيما "بعد تساهل وزير الصحة مع المحتكرين، فالدعاوى المستقلة كحق خاص، قد تكون فاعلة اكثر من الحق العام".

وتناني التي تعمل في مجال الإغاثة منذ حرب تموز وآزمات النزوح السوري وكورونا والحرائق وانفجار بيروت، تخشى على أولادها من "محتكري مصيرنا". لكنها "بلاد نحبها وتقتلنا". من هنا "يجب أن نتصدى لآلة القتل دفاعاً عن أنفسنا وأولادنا".

بالمحصلة، لا بد من السؤال، متى يتحرك نواب الأمة بعريضة إتهامية بحق الوزير حمد حسن الذي ترك مصائر الناس تحت رحمة محتكرين جشعين بإهمال وظيفي واضح؟!


بحث

الأكثر قراءة