"المرأة هي كل شيء"... هل يبصر قانون الكوتا النسائية النور أخيراً؟

التحري | | Sunday, September 26, 2021 3:56:59 PM


فتات عياد - التحري

"المرأة هي كل شيء"، قالها الرئيس نجيب ميقاتي ليبرر تطرّق حكومته للمرأة اللبنانية وحقوقها بـ"سطر ونصف" فقط في بيانها الوزاري. حكومة "الوزيرة الواحدة"، التي أخذت الثقة من 3 نائبات من أصل 82 نائباً، بمهمة أساسية فحواها إجراء الانتخابات النيابية. ووسط فائض الذكورية هذا، خيط امل رفيع قد يكسر جمود الصورة، تجسّد بتبني النائبة عناية عز الدين لمشروع قانون الكوتا النسائية الذي أعدته منظمة "فيفتي فيفتي". ما يرفع فرص إقراره جديا، عبر تعديل القانون الانتخابي...

و"المرأة كل شيء"، لكنها "لا شيء" في نظر قوانين عدة مجحفة. يكرسها غياب قانون احوال شخصية موحد. ومع هذا فإن "المرأة موجودة بقلب كل واحد منّا"، وفق ميقاتي. ورجال السياسة في لبنان قلوبهم تسع النساء، لكن لوائحهم الانتخابية تضيق فيها، فهي غير موجودة على اللوائح الإنتخابية للأحزاب إلا لزوم "التشكيلة" و"الزينة". من هنا، كان لا بد من الوقوف عند مشروع القانون، للإضاءة على فرص إقراره من جهة، ولتفنيده من جهة أخرى والتوقف عند تفاصيله...


أكثر من ٥٠ جمعية تدعم القانون

طورت فيفتي فيفتي بدعم من برنامج الأمم المتحدة الانمائي لدعم الانتخابات النيابية في لبنان UNDPLEAP دراسة واقتراح قانون لإدخال الكوتا النسائية من ضمن قانون الانتخابات النيابية 2022 بمشاركة 12 خبيرا اختصاصيا بين قانونيين وخبراء قوانين انتخابية. وعلى رأس المشاركين بإعداد القانون، السيدة فاديا كيوان والمحامي بول مرقص والخبير الانتخابي محمد شمس الدين. وقد حاز هذا الاقتراح حتى اليوم على دعم أكثر من خمسين جمعية ومنظمة غير حكومية ممثلة بالتحالف المدني من أجل إقتراح الكوتا.

بدورها، تشكر مؤسسة جمعية فيفتي فيفتي، جويل أبو فرحات، النائبة عز الدين على تبنيها للقانون وتقدمها به. وعن ضمانات إقراره، تقول في حديث للتحري "لا ضمانات لدينا بأن الكتل ستجمع على إقراره أو اقرار اي قانون كوتا آخر، لكننا في المقابل سنقوم بكل ما بوسعنا لإقرار مقترحنا، من خلال التواصل مع كافة الكتل النيابية". لافتة إلى أن "هناك أجواء حاضنة لتبني نوع من كوتا معينة للنساء، ولا نعرف على أي قانون قد ترسو الكتل، لكن مجرد تقدم الرئيس نبيه بري تقدم بقانون يمنح 20 مقعدا للنساء، والرئيس ميقاتي باقتراح قانون للانتخابات مع نسبة 30% كوتا للنساء، والحزب التقدمي الاشتراكي بمشروع قانون كوتا... هي دلالة على حركة نيابية نحو تحسين التمثيل السياسي للنساء، ويجب البناء عليها للدفع للأمام لإقرار تعديل القانون الانتخابي، كي تكون الكوتا حاضرة في الاستحقاق الانتخابي خلال أشهر".

مرحلة مفصلية

"ونحن بحاجة ماسة لقانون الكوتا، لا سيما في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان الحديث"، تضيف أبو فرحات، وهي فرصة "لنبدأ بالكوتا في الانتخابات النيابية، لننطلق بعدها نحو إقرار قوانين مشابهة في كافة مراكز القرار، لأن الاتكال على تغيير الأفكار والآراء لن يحدث تقدماً، والحل هو بالاعتماد على القانون -ولو- كضمانة اولية".
ونحن بحاجة للكوتا اليوم أكثر من أي وقت مضى، فنحن على مفترق طرق وبناء الأوطان لا يكون بنصف المجتمع، فنحن بحاجة لنصفيه، والسياسة اللبنانية ينقصها فكر النساء وطريقة النساء وتخطيط النساء الى جانب الرجال، تؤكد أبو فرحات.

في المقابل، إن بعض الآراء قد ترفض حصر تمثيل النساء ببضعة مقاعد، وتعتبره حداً من فرصها بالوصول. هنا، تلفت أبو فرحات إلى أن قانون الكوتا المطروح يضمن أقله 26 مقعدا للنساء. أي "٢٦ مقعدا وطلوع"، وتشرح "فميزة القانون أنه يعمل على مستويين اثنين، والأول هو حجز ٢٦ مقعدا للنساء من اصل ١٢٨، والثاني هو وجوب ترشح 40% من أحد الجنسين على الأقل في جميع اللوائح الانتخابية.
والمستوى الثاني من مشروع القانون يتيح للسيدات اللواتي ترفضن الكوتا ان تترشحن على المقاعد غير المحجوزة للكوتا. عدا عن إحداث تغيير جذري على مستوى الأحزاب، بحيث تتبنى وجود السيدات على لوائحها، أقله بنسبة ٤٠%.

هنا، تشير أبو فرحات إلى أن "المحاكاة التي قمنا بها تؤكد أنه حتى مع كوتا تصل إلى ترشيح نسبة 30% من النساء على اللوائح الانتخابية قد لا تضمن وصول ولو امرأة واحدة الى البرلمان". عازية السبب في ذلك الى ان القانون الانتخابي "نسبي مع صوت تفضيلي وليس مغلقا، ويمكن للرجال أن تأخذ اعلى اصوات على اللوائح ولا تفوز النساء". من هنا كان وضع عتبة ترشيح على اللوائح بحد أدنى ٤٠% لكلا الجنسين، وحجز 26 مقعدا تتنافس عليها النساء حصرا.

وتنوه فرحات الى ان مشروع القانون هو ثمرة جهد عام كامل، وطورناه مع ١٢ خبيرا قانونيا وانتخابيا، ابرزهم فاديا كيوان بول مرقص ومحمد شمس الدين. وميزة الصيغة التي نطرحها أنها قابلة للتطبيق، وهذا هدفنا الأساس.


هل ارتفعت فرص إقرار الكوتا؟

بعد تبني النائبة عناية عز الدين لمشروع القانون وتحريكه، نسأل مدير قسم البحوث في مؤسسة الحقوقية Justicia، الأستاذ فارس أبي خليل، عما اذا ارتفعت فرص إقراره لا سيما ونحن على ابواب الانتخابات النيابية، ليشير إلى أن "تبني أي نائب في البرلمان تقديم اقتراح القانون الرامي إلى تفعيل دور المرأة في البرلمان يرفع فرص اقراره ونتشرف بتبني النائبة عزالدين للاقتراح المعدّ من JUSTICIA بناء على طلب جمعية 50/50 هي المشهود لها بكفاءتها ونشاطها في مجال تطوير التشريع والعمل في البرلمان. أما بالنسبة إلى أننا على أبواب انتخابات، فإن اقتراب موعدها سيرفع فرص إقرار هذا الاقتراح خصوصاً أنه لا يمس بالتقسيم الطائفي ولا المناطقي".

وعما اذا كانت الكوتا ممراً إلزامياً لتحسين مستوى تمثيل النساء في المراكز القيادية، يوضح أن "معظم دول العالم بما فيها دول عربية عدة تعتمد نظام الكوتا لضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية، كالعراق، الأردن، تونس، مصر، الجزائر، المغرب والإمارات. لذلك، فالكوتا النسائية هي ضرورة في لبنان، إذ ثبت وفق النماذج العالمية أنها خطوة جذرية نحو رفع مستوى التمثيل النسائي في مركز صنع القرار وتظهر تلك الحاجة بعدم تمثيل المرأة إلا بعدد ضئيل جداً في 15 برلمان لبناني بغياب أي نظام للكوتا يضمن تمثيل المرأة بحد أدنى من مقاعد المجلس النيابي".

والاضرار الناجمة عن غياب العدالة الجندرية في التمثيل كثيرة. هنا، يذكّر بأن "العدالة والمساواة هما من المبادئ السامية المكرّسة في الفقرة (ج) من مقدمة الدستور اللبناني والمادة 7 منه، كما في الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان ونذكر منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 كما إتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) لعام 1979 التي تنادي بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق".

ويضيف إن "عدم تحقيق المساواة بالنسبة لاشراك المرأة في الحياة السياسية لا يتماشى مع النصوص الدولية والحقوق الدستورية".

إذاً، القصة قانونياً ليست "مزحة" على رغم سخرية رجال السياسة في لبنان، من جهة أخرى، فإن تبني بعض الكتل للكوتا قد يكون مرده كسب رضا المجتمع الدولي كباب من الإصلاح، او حتى، ادراك بعض الأحزاب بأن تغييب المرأة ما عاد مقبولا مجتمعيا. لكن، بعيدا عن النصوص العالمية ومقاربتها للمساواة الجندرية. ماذا عن فحوى مشروع القانون المطروح وكيفية تطبيقه؟


أبعد من مجرد طروحات.. صيغة قانونية متكاملة


وهي ليست المرة الأولى التي تطالب فيها هيئات من المجتمع المدني بوضع كوتا نسائية، بدوره، يقول الخبير الانتخابي محمد شمس الدين الذي عمل على القانون المطروح "منذ السبعينات الى اليوم، وجمعيات عدة طرحت قوانين كوتا لم تبصر النور جميعها. لكن الفرق بينها وبين مشروع القانون الذي نطرحه اليوم، أنها كانت أفكاراً ضمن قوانين عامة، لكننا هذه المرة نطرح صيغة قانونية لهذا القانون، عبر تعديل قانون الانتخاب الحالي مع استحداث كوتا انتخابية.
ونحن نطرح الكوتا على مستويين اثنين، الأول هو حجز ٢٦ مقعدا للنساء موزعة بالمناصفة بين ١٣ مقعدا للمسلمين و١٣ مقعدا للمسيحيين، موزعة على جميع الدوائر الانتخابية ال١٥، والمستوى الثاني هو وضع حد أدنى لترشح أحد الجنسين ب 40% على الأقل على اللوائح الانتخابية، كشرط لتسجيلها في وزارة الداخلية وخوضها الانتخابات.

وعن تفاصيل الصيغة المطروحة، يقول" لم نضع كوتا للمذاهب حيث لا يوجد سوى مقعد واحد لمذهب معين في دائرة واحدة، بل اعتمدنا تعدد المقاعد للمذهب الواحد في الدائرة وحجز واحد منها للسيدات.
ويعطي أمثلة عملية "فمثلا، حددنا مقعد الكوتا للمذهب الكاثوليكي في زحلة التي تضم مقعدين للكاثوليك ولم نحدده في دائرة بيروت الاولى او بعلبك الهرمل أو الزهراني، لأن كل دائرة منهم تحوي مقعدا واحدا للكاثوليك، وهكذا لا نكون حصرنا مقعدا وحيدا في الدائرة بالكوتا، حفاظا على التوازن الجندري في التمثيل.

وكذلك مقعد الدروز لم نختره في دائرة بيروت الثانية التي تحوي مقعدا واحدا للدروز، ولم نختره في دائرة الشوف لأننا ايضا وزعنا الكوتا بالتساوي على الدوائر الانتخابية، وبما ان دائرة الشوف حددنا فيها كوتا عن المذهب الماروني (فيها ٣ مقاعد عن المذهب الماروني)، اخترنا دائرة عاليه لوضع كوتا للدروز فيها، وسلك تفاديا للمنافسة والحساسيات.


المرأة تصوت للمرأة

من جهة أخرى، نسأل شمس الدين وهو خبير انتخابي، عن استعداد المجتمع اللبناني وتوقه للتمثيل السياسي النسائي، سيما وانه بعد ثورة تشرين وكارثة انفجار مرفأ بيروت، برز دور المرأة السياسي والثوري والقيادة اكثر من اي وقت مضى.
وهنا، يذكّر شمس الدين بعدد النساء اللواتي ترشحن في انتخابات العام ٢٠١٨، وهن ٨٢ مرشحة خاضت الانتخابات، اي ان الرغبة للترشح متوافرة بقوة.

أبعد من ذلك، وبالأرقام، يفند شمس الدين النتائج جندريا، فقد حصدت المرشحات النساء وقتها 89447 صوتا تفضيليا، 40905 صوتا منها كانت لناخبات نساء، و 33310 منها كاانت لناخبين رجال، و11498 صوتا لم يتم معرفتها جندريا لأنها حصلت في مراكز مختلطة. لكن يتضح من هذه الأرقام ان النساء اقترعن اكثر للنساء من الرجال. وان النساء تتحمسن لانتخاب النساء.

وفي بلد كلبنان قضايا النساء فيه لا يرفع رايتها أحد بقدر النساء، وفي بلد حكمته الذكورية والأبوية والبطريركية من بوابة السياسة وصولا للمناهج التربوية، لا تنقص نساء لبنان النية بالترشح ولا الانتخاب، ولا ينقصهن "التمكين" كما يعتقد بعض رجال السياسية في لبنان. إلا أن الكوتا المرحلية عبر قانون قد تكون تمهيدا للضغط على الأحزاب بتفعيل العمل النسوي فيها، عسى وعلّ نساء لبنان تصلح ما خرّبه الرجال!

بحث

الأكثر قراءة