حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة انطلقت: لبنانيات ناجيات من التعنيف تروين تجاربهنّ لـ"التحري" والأزمة الاقتصادية تزيد الوضع سوءاً

التحري | فتات عياد | Sunday, November 28, 2021 3:48:01 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

ماذا لو تكلّمت المرأة المعنَّفة تشكو للملأ -ذات لحظة- من معنّفها؟ وماذا لو رأى المعنِّف نفسه بعيون ضحيته؟ وحشاً كاسراً متجرداً من صفات الإنسانية؟ وماذا لو اعترفت المجتمعات الذكورية، بتحملها جزءاً من مسؤولية ارتكاب جرائم قتل النساء، عبر تزكية ثقافة الاستقواء عليهنّ، فقط لأنهنّ نساء؟ وماذا لو استفاق العالم فانقلبت المعادلة؟ هل يستفيق المجتمع الذكوري عندئذ، تعاطفاً مع الرجال؟!

وفيما تحتفي الأمم المتحدة بحملة الـ 16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، التي تمتد من 25 تشرين الثاني الحالي وحتى 10 كانون الأول، نساء، بعضهن ناجيات والأخريات ما زلن معرضات للعنف، تروين تجاربهنّ لـ"التحري"، ليقلن بصوت واحد "فلننهِ العنف ضد المرأة الآن"!

الناس بتمشي لقدام... والمجتمع اللبناني "للوراء"!

وشهد لبنان جرائم قتل مروعة بحق النساء، كجريمة قتل منال عاصي التي عذبها زوجها لساعات قبل قتلها على مرأى من عيون أهلها وسكان الحي، فيما لم يجد البعض عيباً في تبرير الجريمة، بعد أن أعطى الإعلام الهواء للقاتل بعد سنوات، ليبرر جريمته، وكانت التبرير بحد ذاته، جريمة!
وهذه الواقعة وغيرها من الجرائم التي ارتكبت بحق نساء لبنان، تظهر جلياً أن أصل العنف ضد المرأة في المجتمعات الذكورية، متجذر في التمييز على أساس جندري. فمجتمعات تعلّق الشرف بين أرجل النساء فتسلبهنّ حريتهنّ بأجسادهنّ، ثم تبرر القتل بحجة "الخيانة" أو "التمرد" على "الطاعة"، هي مجتمعات لا تساوي بين نسائها ورجالها، وهي تغطي العنف وتحمي المعنِّف، وتجلد الضحية!

والعنف ضد النساء كما تعرّفه الأمم المتحدة، هو أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه، او يرجح ان يترتب عليه أذى او معاناة للمرأة، سواء من الناحية البدنية البدنية او الجنسية او النفسية.

وفي لبنان، رصدت قوى الأمن الداخلي ارتفاعاً لامس الـ 100% في عدد اتصالات شكاوى العنف الأسري الواردة على الخط الساخن 1745 مقارنة مع العام السابق، فيما كشفت دراسة لمنظمة أبعاد، أنّ 96% من الفتيات الشابات والنساء المقيمات في لبنان واللواتي تعرّضنَ للعنف المنزلي خلال العام 2021، لم يبلّغنَ عن هذا العنف أبداً!

وعلى الرغم من نضالات النساء في لبنان وتحقيق مكاسب حقوقية وقانونية عدة، هذه الإنجازات الحقوقية اليوم باتت على المحك، بعد أن ازداد العنف بكل أشكاله ضد النساء بعد جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الحالية، المرجحة للمزيد من التأزم، ما يزيد من تحديات حماية المرأة اللبنانية من التعنيف، كفئة مهمشة معرضة للمزيد من التهميش، في مجتمع "عم يرجع لورا" فيما عقارب الساعة "ماشية لقدّام"!

بلسانهنّ...

وتعجز دانا التي عانت من تعنيف أبيها وحبيبها السابق، عن إيجاد كلمات تصف بها المعنِّف، فـ "لا كلمات تصفه"، إذ أول ما يتراءى لها عند ذكر التعنيف هو "مشاهد العنف التي سبق أن عشتها، وهي شعور يفوق الوصف، أستعيده تلقائياً وأعيشه من جديد في كل مرة أسترجع فيها مشاهد الضرب الذي كنت أتعرض له سواء من والدي أو من حبيبي".

"أتمنى من قلبي" أن "يتدعوس" المعنِّف، تقول دانا التي سبق أن تعرضت للضرب في الشارع أمام أعين الجميع "وما استرجى حدا يقرّب يحميني"، من هنا، تحتقر دانا المعنّف "أشدّ احتقار، وأراه إنساناً ضعيفاً عاجزاً عن إقناع ابنته أو حبيبته أو أخته بالمنطق والعقل، فيلجأ للاستقواء بقوته الجسدية ويخرج عن طوره ويبدأ بالضرب". في حين أنه "يعتقد بأن الضحية استجابت لمشيئته لأنه أقوى منها، لكنها تكون خائفة من استمرار الأذى الجسدي فتتماشى مع مطالبه، وليس لأنها اقتنعت بها على الإطلاق".

بدورها، تقول منى، وهي امرأة متزوجة، يرفض زوجها الطلاق حتى اللحظة متمسكاً بها رغماً عنهاً ومهدداً إياها بحرمانها من الأولاد "تزوجتُ في عمر صغير وإذا كان زوجي يقول لي أن البحر لونها أسود كنت لأصدقه"، وتضيف "لقد كنت طيّعة حتى محى زوجي شخصيتي بالكامل، لكن الدنيا جعلتني أكثر نضجاً مع السنوات، وكانت معاملته لي كتابعة له، سبباً أساسياً في توقي للتحرر من قبضة سلطته الذكورية التي يغذيها المجتمع، فهو لم يعترف بي ككيان بذاته، وتحكم بي كما يتحكم السلطان بعبيده".
وتضيف "بعد 15 عاماً من الزواج، أصبحت أدرك مدى استقلاليتي وقوتي وأنني أنا التي أعيل نفسي مادياً، وأسند نفسي بنفسي معنوياً، ولا مبرر لقبولي بالإهانة اللفظية ولا الأذى الجسدي بعد الآن". فزوجي "يريدني غير مستقلة وضعيفة الشخصية"، لكنني "كبرت وعرفت الحقيقة، فبعض النساء أقوى بكثير من الرجال، والقوة ليست بالبنيان الجسدي، بل بالعقل والحب والمثابرة والعطاء".

وعرفت الحقيقة ويا ليتني لم أعرفها، تقول "إذ أنني ما عدت قادرة على تجاهل التغير الذي طرأ على نظرتي للحياة، والتعامل كأن شيئاً لم يكن"!
من هنا، "بدأت أفقد الإحساس شيئا فشيئا تجاه زوجي"، بسبب تجريحه لي وإهاناته التي تنتقص من كرامتي، وهذا الأذى أقسى حتى من ضربه لي على جسدي، فكلماته الجارحة لا تنتسى ولا تغتفر، ومع أني أشفق عليه في كل مرة يضربني فيبكي بعدها كالطفل يطلب السماح، لكنني لا أريد أن أعيش معه شفقة عليه، فنفسي تستحق مني الشفقة، ورفض العيش في دوامة من الإهانات!

أما ميرا، التي أبرحها زوجها ضرباً منذ أشهر ومع هذا لم تطلب طبيباً شرعياً لأنه "أب اولادها" لكنها تخشى أن تموت يوماً على يديه من شدة ضربه لها، وهي في كل ليلة تغفو في منزلها، لا تعرف إن كانت ستشرق عليها الشمس!

وأكثر ما يؤلمها هو ضرب زوجها لها أمام اولادها، فهي تخشى للصبية أن يقلدوا أباهم في المستقبل ويتقبلوا سلوك الضرب بحق النساء، فيما تخشى للفتيات أن يعتقدن بأن ضربهنّ أمر عادي فيقبلنه". وبغصّة، تكشف عن استراقها النظر لمذكرات ابنتها، حيث صدمت برؤيتها "رسماً لوالدها يقوم بتعنيفي، وقطرات الدماء من حولي". وكان هذا المشهد كفيلاً بجعلي أخشى على صحة أولادي النفسية من جراء مشاهد العنف التي يرونها أمامهم. لكنني "أعجز عن الطلاق لأنني بحاجة لعمل يساعدنا على الاستقلالية، سيما وأن أهلي يقفون في صف زوجي، رافضين استقبالي وأولادي في منزلهم في حال حصل الطلاق".

من جهته، تصف رؤى الرجل المعنِّف بـ"الجاهل... الخالي من الإحساس"، محملة المجتمع مسؤولية الترويج للتعنيف ضد النساء، مشددة على ضرورة البحث عن "أسلوب التربية الذي نشأ عليه الرجل"، فهو "يستقوي على المرأة معتقداً أنها كائن ضعيف، لأن هذه الأفكار التي ملأت رأسه منذ الصغر".

عواضة: لدق ناقوس الخطر!

بدورها، تربط الناشطة النسوية علياء عواضة بين الانهيار الاقتصادي وآثاره الاجتماعية، وبين ازدياد العنف ضد النساء "ففي الوقت الحالي، هناك تحديات كبيرة جداً نمر بها في لبنان، وهي سبب أساسي بعدم حماية الفتيات والارتفاع الكبير بعدد جرائم التعنيف سواء المنزلي أو غير المنزلي كالاغتصاب والتحرش".
فالأزمات العديدة في لبنان "تجعل من قضايا التعنيف غير ذات أولوية في البلد ما يتسبب بارتفاع جرائم التعنيف". والأرقام المخيفة لازدياد التعنيف بشكل قياسي في السنتين الأخيرتين يجب أن تدق ناقوس الخطر، ففي ظل وضع اجتماعي واقتصادي ذاهب للمزيد من الانهيار، أول الضحايا هم الفئات المهمشة، ومن بينهم النساء، ونحن "لا نريد أن يكون موضوع حماية النساء وحقوقها في آخر سلّم الأولويات".

وصحيح أنه تم إقرار قانون يجرّم العنف ضد النساء، لكن في ظل التحديات الراهنة، تسأل عواضة "هل يتم أخذ هذا القانون بجدية من قبل القضاء والقوى الأمنية لناحية تطبيقه؟ وهل قامت القوى الأمنية بتغيير استراتيجيتها للاستجابة لارتفاع شكاوى العنف؟، وهل تأخذ أمور تعنيف النساء بجدية؟"، سيما وأن تطبيق القوانين في لبنان يتأثر بالوضع العام في البلد عموماً؟
والتعنيف أمر خطير جدا ويؤثر على كافة أفراد العائلة غير قادرة على الخروج من المنزل الزوجي.


الأزمة إلى تفاقم...

واعتبرت امرأة من أصل اثنتين في لبنان أنّ حماية النساء يجب أن تكون أولويّة خلال الأزمة الحالية التي يمرّ بها البلد وفق دراسة منظمة أبعاد، وصرّحت 3 نساء من أصل 5 أنّ التحديات الاقتصادية هي أبرز ما يواجهَهُنَّ في الوقت الحالي، وأكثر من 75% من النساء المقيمات في لبنان لا ينشطنَ اقتصادياً. أمّا العاملات بينهنّ، فتتزايد نسبة البطالة عندهنّ تدريجياً لتتخطى 25% من إجمالي النساء العاملات، وفق تقارير نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

والضرر الاقتصادي الناجم عن الأزمة الاقتصادية في البلاد، تدفع ثمنه النساء أولاً، في بلد غالبية مؤسساته تعتبر "الرجل معيلاً للعائلة" وعندما تبدأ بتقليص موظفيها، عادة ما تختار من النساء، اللواتي تتقايضين بغالبيتهن، أجوراً أدنى من أجور الرجال!

ومع ازدياد العنف ضد النساء، تعود برامج تلفزيونية كـ "فوق الـ18" الذي يعرض على قناة الجديد، في الزمن إلى الوراء حدّ أيام الجاهلية، كأن تسأل إن كان "يحق للرجل ضرب مرته؟"، لتنسف عقوداً من النضال في سبيل حماية النساء.

ولأن "اللي بياكل العصي مش متل يللي بيعدّا"، على أي إعلام تعول نساء لبنان لحمايتهنّ في الأزمة؟ وإذا أعادت السلطة الحاكمة اللبنانيين إلى العصر الحجري اقتصادياً، فمن الذي نصح وسائل الإعلام بإعادة المجتمع إلى الوراء على حساب حماية المرأة اللبنانية من العنف؟

بحث

الأكثر قراءة