شقيقي "انتحر شكرا"... قصة شاب لبناني مع "الخط الساخن للوقاية من الانتحار 1564": جمعية "امبرايس" مطالبة بتحقيق فوري!

التحري | مريم مجدولين اللحام | Tuesday, June 14, 2022 10:40:37 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

لا يكاد يخلو أي شهر من حوادث الانتحار في لبنان.
تشكل مسألة "إزهاق النفس" جزءاً من ذاكرة الشعب الغنية بدوافع التوجه قصداً إلى الموت. وقائمة الانتحار في لبنان لا تنتهي، أما "خط الحياة" المعروف بـ"الخط الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار 1564" فكان آخر ملاجئ القاطنين في لبنان، حتى بات يسهل وصمه بأنه "مجزرة مستدامة" تركته الدولة اللبنانية عبئاً على إحدى الجمعيات المحظيات "امبرايس".

المتطوعون الموظفون بلا مداخيل، عند هذه الجمعية، يتلقون الاتصالات وهم بغالبيتهم "غير مؤهلين علمياً" للقيام بذلك، ولا هم يتقاضون الأموال مقابل عملهم، بما فيها بدلات النقل الرمزية. بالرغم من حصول "جمعية امبرايس" على ما يفوق المليون دولار سنوياً من المساعدات المالية من المغتربين ومليون آخر من الداعمين الرسميين كالسفارات والجمعيات الأجنبية.

أما المحاسبة الحقيقية فتبدو بعيدة المنال، فلا الدولة مسؤولة... ولا طرح الأسئلة على عدم شفافية هذه الجمعية (هي وغيرها) كان ذو جدوى في تراجعها عن توظيف "مين ما كان" على "خط متابعة الحالات" حتى وإن لم يكن مجازاً في علم النفس أو الطب النفساني. فما الجديد؟!

انتحر... شكراً!
على خطى المنظومة المهملة الفاسدة، تسير الجمعيات والمنظمات التي "لا تبتغ الربح"، وفي آخر انجازات الخط الساخن، ومن يقف في سدة المسؤولية وراءه: "انتحار شاب لبناني"، تقول شقيقته أنه "قد تواصل مع امبرايس على الخط الساخن وأنه لم يُحل للمساعدة" وانها قد لجأت لحسابات الانستاغرام الخاصة بالمبادرات النفسانية بالرسالة التالية "أخي وضعه النفسي سيء جدا، يحتاج لعلاج نفسي ولكن التكلفة مرتفعة لا أتحملها.. حاول الانتحار مراراً، أرجوكم احتاج لمساعدة". إلا أن الرد جاءها بعد فوات الأوان، من الشاب حسين حمية، مطلق مبادرة "نحنا حدك" والتي تضم أكثر من 100 من المعالجين النفسانيين ممن حصلوا على إذن مزاولة المهنة لتقديم الخدمات النفسية... فأخبرته "انتحر... شكراً"!

مر شهر كامل قبل أن يعي حسين حميّة أن سارة قد لجأت إلى مبادرته وأرسلت له خائبة رسالة مفادها أنها وعائلتها غير قادرين مادياً على متابعة حالة شقيقها مع مختص. ذلك لأن محاولة التواصل تلك كانت عبر تطبيق الانستاغرام الذي ترك رسالتها مخبأة في بريد الغرباء بعيداً عن عيون "مبادرة" حمية.

فات الأوان، خسرت سارة أخيها لصالح الانتحار وقضت رسالتها مضجع حمية الذي أبى إلا ومشاركتها مع الناس بخاصة أنه قد علم من سارة أن شقيقها قد تواصل مع "خط الدولة" المعهود لجمعية "امبرايس" دون نتيجة. فهل الجمعية هي المسؤولة الوحيدة؟ أم أن انّ المشكلة الأساس تكمن في سوء التوجيه والتنظيم وعدم معرفة غالبية المجتمع إلى أين اللجوء وما هي العيادات غير المكلفة أو أين تقع الجمعيات المعنية والمراكز المساعداتية؟

لماذا التنصل؟

واللافت أن هذه مديرة جمعية "أمبرايس" ميا عطوي، قد تعاملت مع الحالة بالنفي أو التكذيب وأريحية غير مسبوقتين، حتى من دون أن تتأكد من صحة ما ورد في منشور حسين حمية... ردت على أسئلة قناة الجديد بثقة، وحسمت بأن "أحداً لم يتواصل مع فريق العمل ومن ثم أقدم على الانتحار لأنه لم يتم إحالته إلى مختص، وأن الخبر عار عن الصحة". ذلك، دون أن تعرف حتى الساعة ما اسم الضحية؟ من هو؟ من يكون؟ وما قصته؟... بالإضافة إلى ذلك، نكرت معرفتها بحمية، بالرغم من الزمالة التي تجمعها به منذ سنتين.

كان هناك رغبة غربية بعدم تدحرج الأمور إلى "فتح تحقيق" كما يجب، وبالتالي كانت حريصة ضمناً على الإنكار وتبرئة الجمعية بأي ثمن وإنْ في إطار "التنصّل". وهنا تُطرح أسئلة عدة، تبدأ عند الصورة التي نشرتها الجمعية على حسابها في انستاغرام متجاهلة الحدث، ولا تنتهي عند مبلغ الـ936 ألف و158 دولاراً أميركياً من المساعدات المالية التي حصلت عليها "امبرايس" بذريعة انفجار مرفأ بيروت، والحياة البرجوازية التي تعكسها الموظفات المتحدثات باسم الجمعية من حملة "الشانيل" و"البرادا"...

وعدت "امبرايس" بعد ضغط هائل من الناشطين عبر انستغرام، وفي تعليق عابر ومقتضب، "بأن تقوم بالإجراءات والتحقيقات اللازمة" فقط لا غير. ست كلمات، لا تصل إلى حد النصف جملة. هكذا كان الرد، دون تقديم أي توضيح بما يقتضيه الملف ودورها الوطني.

أما المصيبة الأكبر فهي الفضائح التي نشرت من قبل المتابعين للحساب، والتجارب التي تم مشاركتها عن سوء معاملة الجمعية و"المماطلة بالردود وتأخير في المواعيد لأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية أو سلوكية، يصل إلى أشهر عديدة (وهي حالات لا تحتمل الانتظار كل هذه المدة) ناهيك عن تقاضي الأشخاص المتابعين للحالات، مبالغ تفوق الـ3 مليون ليرة لبنانية للجلسة الواحدة كتعرفة غير رسمية لتكلفة العلاج النفسي مع أشخاص في الغالب هم ليسوا أخصائيين، وبالرغم من الأزمة المالية الحادة التي تمر بها البلاد".

كلّ عبارات التنديد والاستنكار والشجب التي تحفل بها قواميس العالم لا يمكن أن تدين بشاعة "نفض المسؤولية" عن اكتاف الدولة والجمعية المتعاونة معها "امبرايس" في إدارة الخط الساخن. وكل محاكم الأرض، مهما كانت أحكامها عادلة، ولن تعدل أبدا، لن تجبر الكسر العميق الذي خلفه انتحار هذا الشاب، الذي تم الاعلان عن قصته، وكم من المعقول أن يكون مثله العديد ممن لم تُسمع أصواتهم، ومن لا يريد الأهل "النبش في اللاشيئ" إذ أن شيئاً لن يعيد ابنهم إلى الحياة. وثقافة المحاسبة، غير موجودة أصلاً في قاموس لبناننا.

ما شجّع الجمعيات والـNGO’s ويشجعها على الاستمرار في التوجه إلى التمويل من الاغتراب ليس فقط إفلاتها المستمر من التدقيق، ولكن أيضا تطبيع الناس مع هذا الاستقطاب للأموال، والتطبيع هنا لا يتعلق فقط بأنه صار من الطبيعي أن تستقدم الجمعيات ارقام هائلة من الأموال دون حسيب أو رقيب وإنما تطبيعنا اليومي مع هذا الفعل المستمر دون مطالبتنا بالرقابة عليها، وتبجيلها على أنها بديل صالح حتمي عن الدولة الناهبة، من دون أن نخضعها هي إلى المراقبة والمحاسبة والملاحقة كما يجب.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى ان الجهات المانحة أيضاً مطالبة بالضغط على "امبرايس" للحصول على أجوبة شافية وللكشف عن صحة الاتهامات المنشورة علانية في الردود على منشورها في منصة "انستاغرام" والكشف عن مدى سرعة استجابة المتطوعين والمتطوعات لنداءات الاستغاثة وعن حقيقة الأسعار التي تُطلب من المرضى! بخاصة أن هناك من يقول أن غالبية "المعاشات" التي تدفعها "امبرايس" تذهب للإعلانات وفريق التواصل وأربع أشخاص موظفين هم في نفس الوقت فاعلين بالمكتب السياسي لحزب "منتشرين"!

الكل يتحمل المسؤولية حتماً بلا استثناء، وفي طليعتهم الداعمين الماليين لجمعية "امبرايس" ومن المعيب أن يبقى العلاج النفسي ترفاً في بلد عانى مواطنوه من ثالث اكبر انفجار شبه نووي في العالم ومن ضائقة اقتصادية غير مسبوقة نسفت الطبقة الوسطى وهجّرت غالبية ابناء البلد.

بحث

الأكثر قراءة