MTV

ثقافةٌ جديدة تعمُّ الوطن. لا نتحدّثُ هنا عن ثقافة الموت أو الحياة التي تُعتبر الكباش اللبنانيّ الدائم، بل عن أسلوبٍ جديدة للحياة يعتمده اللبنانيّون قسراً في محاولة منهم للتأقلم مع الأوضاع ومُتطلّبات الحياة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الخانقة.

إنّها ثقافة التّقنين التي بدأت تتّبعها الدّولة في تأمين الكهرباء للبنانيّين وسرعان ما انتقلت كالعدوى إليهم وأصبحت تُسيطر على مفاصل حياتهم. باختصار، التّقنين "ماشي" في كلّ شيء بدءاً من الكهرباء والمولّد، ولكن هذه المرّة من الضفّة المقابلة، أيّ أن المواطنين يقنّنون في استعمال "كهرباء الدّولة" و"كهرباء المولّد" خوفاً من الفواتير الجنونيّة في ختام الشّهر.
ومن التيّار الكهربائي الى الاتصالات حيث التّقنين في أوجّه، حركة الاتصالات خفّت، وخطوط أرضية كثيرة قُطعت، أمّا من كان يتباهى بأنه يحمل رقمين أو ثلاثة فتخلّى عن رزمة الأرقام واعتمد رقماً واحداً فقط، لأن أسعار بطاقات التّشريج أصبحت موجعة بالفعل، كذلك الأمر بالنسبة للانترنت التي باتت خدمة ثمينة في لبنان سرعان ما تطير قبل انقضاء المهلة.
المياه خاضعة للتقنين أيضاً، وهنا نتحدّث عن المياه التي تُستعمل في المنازل وحتى عن عبوات المياه التي تُشترى، وعددٌ كبير من اللبنانيّين تخلّوا عن شراء المياه المعدنيّة لأنّ أسعارها أصبحت بحاجة الى راتبٍ كاملٍ!
وكما تُقنّن المصارف في إعطاء المودعين أموالهم، يُقنّن المواطنون في المصروف، من لائحة المشتريات من السوبرماركت، الى تقنين "ستّ البيت" لمكوّنات الطبخة، وتقنين أصناف الطعام على طاولة غداء يوم الأحد، وصولاً الى التقنين في الدّواء! ففي وقت تخلى لبنانيّون كثرٌ عن شراء أدوية تُعتبر أساسيّة لهم، هناك من يقسُمُ حبّة الدواء في النصف ليوفّر شراء علبة جديدة، أمّا زيارة عيادات الأطباء، فأصبحت خاضغة للتقنين أيضاً، وتقتصر على الحالات الطارئة والحرجة. هذه الثقافة وصلت أيضاً الى التنقّل، فودّع اللبنانيّون المشاوير الترفيهيّة الى المناطق البعيدة، لأن استعمال مادّة البنزين المدولرة يخضع للتقنين المشدّد!

تطول لائحة التّوفير والتقنين في لبنان، ثقافةٌ لا تُشبه شعباً يُعرف بكرمه الذي يصل الى حدّ الجنون، ولكنّ التقنين في لبنان أصبح مُرادفاً للصمود، فهل يقنّن حكّامنا في اعتماد ثقافة إضاعة الوقت وإفقار الشّعب؟