مقاومة تلزمها "مقاومة" و"منظومة" تنغّص التحرير!

التحري | فتات عياد | Wednesday, May 25, 2022 9:40:52 PM
فتات عياد


فتات عياد-التحري

فيما كان اللبنانيون يحتفلون اليوم بعيد المقاومة والتحرير، وهو يوم خروج جيش احتلال الكيان الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000، كانت اسرائيل تلقي قنابل مسيلة للدموع على المحتفلين بالذكرى عند الحدود في بلدة العديسة، لتصيب بعضهم بحالات اختناق تنغص على اللبنانيين فرحتهم، لكنها ليست المنغص الوحيد للعيد...

"عيد بأية حال عدت يا عيد"، فاللبنانيون "اختنقوا" بسبب ألف "أزمة" و"أزمة". هم الذين لا يحتاجون مسيلا لذرف دموع على سوء أحوالهم منذ تكشف تداعيات الانهيار اللبناني، وهم الذين تم التصدي لثورتهم ضد المنظومة عام 2019 بدءا من "مسيل الدموع" وصولا لـ"كاتم الصوت"!

والتجربة اللبنانية كشفت أنّ تحرير الأرض وحده لا يكفي، فالاحتلالات المقنعة للدولة، بدءا من النظام الطائفي الزبائني الذي أرسى المحاصصة وتآكل مؤسسات الدولة مع حكم الفاسدين، وارتهان الحكام للمحاور الخارجية على حساب مصلحة الوطن والشعب، أرسوا معادلة "القهر" اللبناني المستمر، مع فارق وحيد، هو أن هذه المنظومة المحتلة لمفاصل الدولة، منتخبة -بجزء- من الشعب"!

التجربة اللبنانية

والتجربة اللبنانية دحضت فكرة أن جلاء المحتل عن الأرض كفيل بتحرير الدولة، وهو ما عايشه اللبنانيون مع رجالات سوريا في لبنان الذين ظلوا في واجهة الحكم حتى بعد رحيلها عام 2005.
وما محاولة المنظومة المقايضة بحقوق لبنان في البحر عبر عرقلة تعديل المرسوم 6433 الذي يحفظ حق لبنان في حقل كاريش من خلال تثبيت الخط 29 في مفاوضاته غير المباشرة مع اسرائيل، إلا وجه من وجوه "خيانة" مصالح الدولة، لصالح مصالح "المنظومة" التي تحاول تعويم نفسها لدى الخارج، بهدف استمراريتها في الحكم، وإفلاتها من المحاسبة عن جرائمها المرتكبة بحق الشعب من الانهيار الاقتصادي الى انفجار مرفأ بيروت.
وهي مشهدية توثق "تذويب" انتصار الجنوب بالتحرير، على "نار" ارتهان حامية، تتصاعد رائحتها الكريهة كلما اقتربت اسرائيل من التنقيب في حقل كاريش.

التعويل على الوعي الشعبي...

والمتغير الوحيد الذي تغير اليوم، هو الوعي الشعبي بأن الاحتلال ليس للأرض وحدها، فمن احتلوا العقول، وصادروا خيارات الناس عبر قانون انتخابي فصل على قياس الأحزاب الطائفية، ومن منعوا الأجواء الديموقراطية بالترشح للانتخابات وخوضها لا سيما في منطقة الجنوب، لا يمكنهم اقناع اللبنانيين بأنهم "يحمون" الأرض، هم الذين يجاهرون بأن تمويلهم من "إيران" ويعدون اللبنانيين بالصلاة في القدس، فيما لا قدرة للبناني على دفع أجرة سيارة للذهاب لأقرب مسجد في قريته حتى!
و"الثنائي الشيعي" الذي يمسك بقبضته الحياة السياسية لا بل والأمنية في الجنوب، ليس إلا جزءا من المنظومة، التي لا قيامة للبنان بوجودها، ما يعني أن تحرير لبنان من المنظومة، ليس عنه بمنأى، أهالي الجنوب!

هنا، لا بدّ من الإشارة الى تراجع نسبة الانتخاب تحديدا لدى الطائفة الشيعية في لبنان إلى حوالي 4%، ليصبح ما يقارب الـ35% من أبناء هذه الطائفة فقط، "مجددين" الولاء للثنائي الشيعي، وهم بجزء كبير منهم، خاضعون لمنطق الترهيب والترغيب، وأزلام ومستفيدون.
وفيما يعزو البعض تجديد الولاء لحزب الله تكريماً للشهداء الذين سقطوا لأجل تحرير لبنان، يتهم بعضهم الحزب بـ"التجارة بتلك الدماء" بعد تحوير القضية، سيما بعد أن استنزف حزب الله خيرة شباب لبنان ليقاتلوا في سوريا واليمن، حيث لا "عدو" اسرائيلي هناك، ولا قضية، لا بل ضرر واقع على هؤلاء الشباب بأرواحهم المهدورة في أرض غير أرضهم، وضرر على لبنان الذي يورطه الحزب بحروب ليست حربه، بعد أن وكّل نفسه ذراعاً في منطقة الشرق الأوسط لإيران!

التجارة بمفهوم المقاومة

هذه التجارة بمفهوم "المقاومة" واحتكارها، تصدى لها خرقان في مقعدين في دائرة الجنوب الثالثة تمثلا بنائبين عن قوى التغيير هما فراس حمدان والياس جرادي، وكان الخرق جنوبا هو المتغير المضيء في سماء الجنوب في انتخابات 15 أيار، فيما كان سقوط رجالات سوريا طلال إرسلان، وئام وهاب، إيلي الفرزلي وفيصل كرامي، متغيرا يبشر بأنه مهما طالت الاحتلالات، لا بدّ لها أن تزول.
"نحمي ونبني" يكاد يكون شعاراً لحماية الفساد وبناء الدويلة على حساب الدولة. وهي حالة تحتاج "مقاومة" للسلاح غير الشرعي لحزب الله بالمعنى الوطني الذي يلتف حوله اللبنانيون جميعهم، بمنطق "دولة المواطنة" التي تساوي فيما بينهم بالحق بالاستراتيجية الدفاعية وحصر السلاح بالشرعية وتكريس العدالة الاجتماعية والأمان الاجتماعي تحت غطاء المؤسسات الشرعية، وسحب بساط تحويل الحقوق إلى "خدمات" من تحت الأحزاب والزعامات، وإعادة أموال المودعين ومحاسبة سارقي المال العام، ومنع "الاحتلال المالي" للدولة عبر بيع أصولها لسارقيها!

وهي معركة بدأت في 17 تشرين التي وقف بوجهها أمين عام حزب الله حسن نصرالله، ولم تنته في 15 أيار. فمن قاوموا الاحتلال الاسرائيلي، لا تعصى عليهم "مقاومة" منظومة 4 آب، مهما اشتدّ جبروتها، ومهما كبرت دويلاتها وعمّرت، ومهما أوحت باكتساب شرعيتها من الناس!

بحث

الأكثر قراءة