في إهمال وظيفي يرقى للقتل مع الاحتمال القصدي: وزير الصحة الأبيض يتهاون بصحة زارعي الأعضاء

التحري | مريم مجدولين اللحام | Monday, November 28, 2022 10:29:56 AM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

معركة طاحنة تلك التي تقودها والدتي للحفاظ على الكلوة التي زرعت. تعيش قلقاً متواصلاً على صحتها ثم تتعايش مع شريعة الغاب التي تحكم سوق الأدوية. حصول أمي على الدواء الملزمة تناوله مدى الحياة، من الكرنتينا أو من الصيدليات أو من السوق السوداء: يأتي بموازاة تحقيق الوحدة العربية المنشودة أو تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني... حلم يقظة أو إنجاز فاحتفال حتى آخر الشهر المقبل وإعادة سيناريو البحث عن "حبة الحياة" مراراً وتكراراً.

ليس جديداً الحديث عن معاناة اللبنانيين والمقيمين مع تأمين أدوية مرضاهم، خصوصاً تلك الخاصة بالأمراض المزمنة. إنما الموضوع لم يعد مجرد "معاناة" بل بات تعذيباً متعمداً للأرواح. إذ أن جميع زارعي الأعضاء في لبنان، والذين تتراوح أعدادهم بين الـ1000 والـ1500 مريض/ة، منهم حوالي الألف مشمولين بمساعدات وزارة الصحة، لا يجدون أيًّا من الأدوية السبعة (الأصلية والبديلة) الخاصة بإنقاص المناعة أو إضعاف جهازهم المناعي، والتي تساعد أجسادهم على عدم محاربة العضو المزروع.

سبع أدوية (ماي فورتيك-سيلسات-أدفاغراف-رابامون-نيورال-بروغراف-سيرتيان)، بما فيها لبناني التصنيع، لا يجدونها لا في مستودعات الكرنتينا ولا في الصيدليات ولا حتى عند كارتيلات السوق الموازية. مخفية تماماً إلى حين اتخاذ قرار وزاري برفع الدعم عنها.

أما المبالغ المتوفرة والمرصودة للدعم فهي أساساً لا تكفي لتغطية هذه الأدوية. وكأنّ هنالك حالة نكران للواقع، لم يجد وزير الصحة، فراس الأبيض، حاجة لرفع الدعم -غير المقدور عليه- عنها حتى الآن!

وبمسح سريع لواقع الحال، يمتنع المصرف المركزي منذ ثلاثة أشهر عن منح الوكلاء ومستوردي الأدوية الموافقات المطلوبة، والمال لأدوية الزرع. وعند تقديم المستوردين للمعاملات التقنية، يُغيّر المركزي في لوائح الأدوية التي سيمنح مبالغ لدعمها، ويشطب منها ما لا يُناسبه (دون تبرير السبب) وأهم ما يُلغيه هي أدوية الزرع.

وبالتالي يمكننا الجزم أن أدوية الزرع السبع هي عقاقير غير مدعومة إلا صورياً، والمستوردون يرفضون تحمّل كلفة استيرادها دام يجب عليهم قانوناً بيعها بسعر الدعم، أي بخسارة ودون أي ضمانات لاستردادهم كلفتها المضاعفة.

وهذه الأدوية، عندما كانت تتواجد في الصيدليات، كان على المريض شراء حاجته منها على دفعات. مثلاً تحتاج والدتي ثلاث علب شهرياً من دواء الزرع، وكان كلّ من يقصد صيدلية في لبنان، أياً كانت، لا يستطيع شراء أكثر من علبة دواء واحدة. حتى إذا امتلك وصفة طبية رسمية تحدد عدد علب الدواء، فالصيدلية لا توفر سوى علبة واحدة.

ناهيك عن أن في كل صيدلية كان يقابلنا سعر معين، ويتراوح النصب بين المليون والمليون و300 ألف ليرة، فنشتري العلبة الواحدة من دواء "سيلسيت -Celcept" بمليوني ونصف ليرة لبنانية (62 دولاراً) في حين أن سعره العالمي في أي صيدلية في أي بلد كان، عربي أو أجنبي، هو 15 دولاراً. وإن احتسبنا كلفة شحنها مع أحد المسافرين، لا يدفع اهل المريض أكثر من 10 دولارات إضافية أي يتمكنون من استيرادها بكلفة أقل للنصف!

سوق سوداء متغلغلة في الصيدليات، لا تخضع لا للرقابة ولا للمتابعة ومحمية من أحزاب تهرّب المدعوم خارج لبنان وتستغل المرضى في الداخل. اما المساعدات والهبات العينية التي تأتي من الجهات المانحة، فتُعطى للمستشفيات، والأخيرة منها من يُدخلها ضمن فواتير المرضى. ولا تقدم للمريض مجاناً. هذا ما لم نتطرق إلى ملف فساد الجمعيات "التي لا تبتغي الربح" والتي تُدعم بشكل هستيري وعشوائي من المغتربين خارج لبنان، بالملايين، وغالبها صوري بحت، ويغتني من التبرعات الآتية باسم المرضى. كل ذلك ووزراة الصحة في خبر المتغاضي عن كل المشاكل. فلا نجد إلا الوزير مستقبلاً ومديراً لمؤتمرات حول "الطب النووي في العالم العربي" والطب العادي في لبنان محذوف من أجندته.

المعادلة بسيطة وبديهية وإنسانية ومشروعة وعادلة: هناك مرضى إذاً هناك حاجة للأدوية. هناك وزارة للصحة، إذاً هناك وظيفة أساسية لهذا الوزير، أقلها تأمين وصول الأدوية الأساسية إلى لبنان من الخارج أو تأمين بديل عنها.

تلك هي المسألة، من دون تفلسف أو تقعّر، والوزير اليوم بإهماله هذه المسألة يكون متسبباً بوفاة أي مريض لا يستطيع تأمين هذا الدواء، وفعله يرقى للقتل مع الاحتمال القصدي لأنه من البديهي أن يتوقع بظل استمراره في الامتناع عن تأمين الأدوية أن نتيجة هذا الامتناع هي وفاة مواطنين أبرياء.

بحث

الأكثر قراءة