نزيف الودائع: اتساع التهريب في لبنان والدولة غائبة

التحري | فريدريك خراط | Tuesday, March 16, 2021 2:20:03 PM


كمن يملأ سلّة مثقوبة بالماء... يواجه المواطن اللبناني أعطاباً عدة، بين "الدعم" و"عدم ترشيده"، وكارتيل "التهريب الحدودي" الذي لا يوفر فرصة الاستثمار في شراء السلع الأساسية التي يحتاجها الفقير اللبناني والمدعومة من أموال المودعين، لتهريبها إلى سوريا وبيعها للمستهلك السوري بالعملة الصعبة، في ابتزاز عابر للحدود بهدف إمداد من يحميه "سلاحاً" بالدولار "الفريش". موت بطيء وبصيرة، وشعارات "صلابة ومرونة وانتاج"، ونصائح بالجهاد الزراعي والصناعي، بالتزامن مع خط تهريب مفتوح على امتداد الوطن واحتلال الدويلة.

وفي ابتكار سباق ومشرقي رائد، يتصدر لبنان مفخرة "تبادل النفس الأخير" مع نظام الأسد الذي يشاركه الرئة بالقوة، ويرسل المهربون له، آخر مدخرات الشعب اللبناني في عز أزمته وعنائه وجوعه ويستنزف قدراته الاقتصادية المتردية أصلاً، كما أن المنافذ غير الشرعية مع سوريا تستأثر بغالبية عمليات الفساد المالي وايرادات لا تدخل ضمن الموازنة العامة. وكأنه لا ينقص اللبنانيون، نهب الزمرة الحاكمة لوطنهم منذ أكثر من ثلاثين سنة والاستيلاء على ودائعهم واحتجازها في المصارف وما قد استولى عليه الاحتلال السوري ما قبل اندحار 2005. واليوم، تقع المسؤولية الكبرى على الدولة اللبنانية المهترئة أولاً، والتي تُرسل مدّخرات لبنان على مرأى من سلطاتها الثلاث "ديليڤيري" من دون عناء وعذاب ضمير.

أطنان التهريب يوميّاً بالمئات بالشاحنات تغادر أراضي لبنان إلى الأراضي السّوريّة والشعب عاجز عن التصرف علماً بأن صندوق النقد الدولي سبق أن وضع إغلاق معابر التهريب عبر الحدود شرطاً إصلاحياً أساسياً لتقديم أية مساعدة. هذا وقد كشف قائد الجيش عجز الدولة اللبنانية عن ضبط حدودها وعن استحالة تغطية كافة المعابر غير الشرعية بسبب الطبيعة الجغرافية للحدود، لافتاً إلى أن "ما يحول دون السيطرة على ما تبقى من الحدود، عدم ترسيمها والطبيعة الجغرافية المتداخلة، التي يتطلب تحصينها أعداداً مضاعفة من العسكريين" الذين يعانون بدورهم اليوم من تدهور قيمة مداخيلهم مع الارتفاع المتواصل لسعر الصرف في السوق السوداء، ومن الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد بفعل تداعيات فيروس كورونا.

وفي حديث هاتفي مع المحامي جويْ لحّود يشرح لـ"التحري" كيف أن "هناك هدرا كبيرا يقدر بمليارات الدولارات، نتيجة عدم سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية البرية مع سوريا وعلى الدولة المسؤولية الأكبر في محاربة "تجارة الظل" تلك أو الأنماط الاقتصادية التي يعتمد عليها حزب الله في المناطق الحدودية، سواءً في الشمال أو الجنوب حيث يحصل التهريب عبر مسالك غير شرعية لا يُسيطر عليها الجيش اللبناني".

ورداً على سؤال عما إذا كان من الممكن إتخاذ أي إجراءات قانونية بحق المرتكبين والمتورطين في هذه الأجهزة، ردّ لحّود، أنه "بالطبع هناك إجراءات قانونية لمحاكمة المرتكبين أيا كانوا، فهم يتصرفون على أساس أنهم "جماعات خارجة عن القانون"، إلا أن هذه الخطوة تتطلب إرادة قضائية وهذا ما هو شبه مستحيل اليوم بحيث يتضح لكثيرين عجز الدولة عن ضبط الداخل والخارج. وعليه في أوضاع مماثلة، تلجأ حكومات الدول إلى إتخاذ خطوات جريئة لطلب المساعدة من الأمم المتحدة وهذا ما هو أيضاً غير وارد اليوم لأن قرار الدولة مسلوب، وفي هذه الحال باستطاعة الأمم المتحدة ومجلس الأمن النظر في الملف والوضع اللبناني في كل المشاكل وعلى كل الصعد التي يعانيها، من تفلّت الحدود وإرسال مقاتلين إلى سوريا، وتدهور إقتصادي غير مسبوق وتنظيم مسلّح على الحدود مع إسرائيل يمسك بقرار الحرب والسلم، وتفجير واغتيالات وفساد، وعندها باستطاعته إتخاذ قرار بالدخول إلى لبنان وضبط حدوده لأن العامل الأهم لدى الأمم المتحدة اليوم هو العامل الإنساني وما يعانيه الفرد في وطنه، وقد سبق واتخذ مجلس الأمن خطوات مماثلة في دول عدة"
كما رأى أنه "لا يمكن فصل موضوع التهريب عبر المسالك غير الشرعية، عن باقي الأزمات التي يعانيها لبنان، بحيث لا يُعالج بمنأى عن معالجة المشاكل الأخرى. وكل تلك المواضيع، بخاصة منها ما هو سيادي، يمكن الوصول فيها إلى حلول عبر تطبيق دعوة البطريرك الراعي للحياد"

وفيما يعاني اللبنانيون اليوم ندرة في السلع الاستهلاكية الضرورية وارتفاع أسعارها وتسببها في زيادة معدلات التضخم، لا يزال هناك من يراوغ على المسالك الحدودية فساداً وهدراً، فمتى المحاسبة؟ وإلى متى الانتظار؟

بحث

الأكثر قراءة