توقّف 55% من المزارعين عن الريّ – تحضّروا لطوابير الخضار!

حقوق الناس | | Wednesday, July 7, 2021 11:51:36 PM


فتات عياد – مريم مجدولين اللحام

بين مواعظ لا تتجاوز منطق التنظير المجّاني كالزراعة "على الشّرفات" و "تربية الفرّي" على السّطوح، بات "الأمن الغذائي" يعدّ ضرباً من المستحيل، ذلك أنّ قطاع الزراعة في لبنان، لم يعد قادراً على انتشال نفسه من الأزمة، قبل البحث في قدرته على انتشال الاقتصاد اللبناني ككل، من ريعيته. وفيما يُعلّق خمسون ألف مزارع لبناني آمالهم المعيشية على الموعود من المساعدات المادية لمنظمة الفاو "لا خضار ولا منتوجات لبنانية في الشهرين المقبلين إذ توقف أكثر من 55% منهم عن ريّ أراضيهم" فتحضروا لـ"طوابير الخضار" وفقاً لتصريح أمين عام العلاقات العامة للنقابات الزراعية علي شومان.

تضافرت عدة عناصر سلبية كي تجعل من محاصيل الفصل المقبل "حلماً" إذ تستعر بين المزارعين والوضع الإقتصادي الراهن "حرب ضروس" عبّر عنها المزارعون بوضوح لـ"التحري" معلنين فوات اوان الإنقاذ، وأن أسابيع قليلة تفصل بين المواطن وحلمه بتناول "الخيار والخس والبندورة اللبنانية" بعد أن اختار معظمهم تعليق أنشطتهم والتوقف عن ترف "المحاولة" في بلدٍ يعتمد بالكامل على الدولار في تسعيره للمواد الأولية التي يحتاجونها من مازوت وكهرباء وأسمدة وأعلاف وغيره، وتنعدم المقومات الأساسية والبنى التحتية للاستمرار.

الخضار والفاكهة... للأغنياء فقط؟

وفيما لا يتعدّى نطاق اهتمامات الزعماء أكثر من متابعة مستجدات مسلسل خصومات باسيل-الحريري، و"ترس" الأوتوسترادات بصور أحد رموز المنظومة من المطلوبين للتحقيق في جريمة مرفأ بيروت تخطى دولار السوق السوداء اليوم 18 الف ليرة، وصار الحد الادنى للأجور الملازم 675 الف ليرة يعادل 37 دولاراً في الشهر وتبدو السلة الغذائية للمواطنين بذاتها "ترفاً" لدى العائلات الأكثر حاجة في بلد ثلثي مواطنيه باتوا فقراء.

وبعيداً عن فضائح "الرمان" التي شكلت الضربة القاضية للقطاع الزراعي بعد قرار المملكة العربية السعودية منع المنتجات الزراعية اللبنانية من دخول أراضيها، الذي انعكس بدوره انخفاضاً في عائد الفريش الدولار للمزارعين. جالت "التحري" في الأسواق اليوم لتجد أن الفواكه صارت من الكماليات!

-نموذج عن سلة فاكهة: ليمون للعصر 6000 ليرة، خوخ أبيض 9000، تفاح بلدي بـ 5000 ليرة، وهذه أرخص أسعار الفواكه!
فسعر الدراق يتفاوت بين 9000 و20000 ليرة ، وذلك بحسب نوعيته، أما الخوخ الأحمر فيباع بـ 22 الف ليرة وكذلك المشمش والعنب، فيما التفاح الأبيض يباع بـ15 ألف ليرة.
والكرز صار صعب المنال، بعد تسجيله 33 ألف ليرة، أما الكيوي والأافوكا، فبيعا اليوم بـ 30 ألفاً، في حين أن النجاص سجل 24 الف ليرة، والأناناس 50 ألف ليرة!
وبحسبة بسيطة، فإن سلة فيها 4 أصناف من الفواكه بين رخيص ومتوسط ومرتفع، تكلّف 75 ألف ليرة، أي أن سلة تحوي 4 كيلوغراماً من الفواكه، يوازي سعرها 11% من الحد الأدنى للأجور!
وبحسبة أخرى، فإن عائلة مكونة من 4 أشخاص، تأكل يومياً كيلوغراماً من التفاح، تصرف في الشهر ما قيمته 150 الف ليرة على الفاكهة، أي 22% من الحد الأدنى للأجور
-نموذج عن سلة خضار: كيلو البطاطس 4000 ليرة، وكيلو الحامض وكذلك البصل بـ 3000 ليرة، أما والبندورة والخيار، فالكيلو بـ 5000 ليرة.
أما كلّ من كيلو: الكوسى، الباذنجان، الفليفلة، القرنبيط، السبانخ، والخسة الواحدة، فبحدود الـ 7000 ليرة. فيما أسعار الحشائش كالبقدونس بلغت 2000 ليرة.
أما طبخة البامية فتكلفكم 19000 ليرة، فيما اللوبيا بـ 15000.
وإذا كان الزنجبيل بـ 40 ألف ليرة اليوم، فهو يظل أوفر من الصنوبر الذي سبق أن حلّق وصولاً للمليون ليرة!

لا قدرة لنا على الزراعة بعد اليوم!

بات واضحاً أن لبنان في طريقه إلى استنساخ تجربة العراق أيام الحصار، حيث كان يعاني المواطن من "رهاب عدم كفاية مدخوله احتياجاته" وحيث "الموز والتفاح" التي كانت فاكهة الفقراء ستصبح "شهوتهم". ليس ذلك من باب استباق الأمور والفهلوة التحليلية إنما من باب شرح ما يحدث بالفعل اليوم، من يوميات ذل وطوابير يبدو أنها ستمتد لتصل إلى "الخضروات" قريباً.
وفي التفاصيل، يكشف أمين عام العلاقات العامة للنقابات الزراعية علي شومان لـ"التحري" أن "كلفة الانتاج باتت مرتفعة جداً وفقدنا القدرة على تأمين المواد التي نستعين بها لتشغيل محطات ري المحصول، والحراثة، والقلع والحصاد، كالمازوت والكهرباء، وهي "إن تأمنت فوفق السوق السوداء".
حتى عملية نقل المحصول الى السوق لم تسلم من ارتفاع الكلفة، إذ باتت تخضع لتسعيرة بنزين السوق السوداء، ويصف شومان المشهد بـ "البلد الضائع".
وعلى الرغم من أننا "مع المستهلك وقلبنا عليه وعلى الوطن لكن كلفة الانتاج باتت فوق طاقتنا على تلبيتها"، من هنا يحذر شومان الى أنه "بعد شهرين قد نفقد الخضار والفواكه في لبنان"، ويعزي ذلك الى انه "نحن نزرع في شهر آذار لنحصد المحصول في تموز، أي كي نستطيع أن نحصد محصول شهر أيلول وتشرين، علينا زراعة المحصول من الآن"!
ويسأل شومان "مين بعد بدو يفكر يزرع هلاّ؟"، فنحن "فالمشكلة ما عادت محصورة بغلاء أسعار الخضار بل حتى بتوفر لقمة الخضار التي يأكلها الشعب اللبناني"، و"نحن ما عدنا قادرين على انتاجها له"!
وعملياً، هذا يعني أنه "بعد شهرين من الآن لن يكون هناك خضار في السوق ولن يأكل أحد لا بندورة ولا خس لا خيار"، مضيفاً "مين بدو يشتري مازوت؟ ما بقى حدا يخاطر!".
وسنشهد أزمة خضار في لبنان، وأنا مسؤول عن كلامي، يقول شومان، محملاً المسؤولية لـ "المسؤولين الذين يتقاتلون على الكراسي وبالهم ليس بالشعب ولا بماذا يأكل أو اذا كان بمقدوره أن يأكل"، فهم "في واد والشعب في واد والمزارع في واد!".
يذهب شومان أبعد من ذلك، محذراً من أن "الأمن الغذائي بخطر"، مناشداً "المنظمات الدولية والأمم المتحدة والإتحاد الاوروبي التدخل مباشرة عبر جمعيات محلية إذا كانوا لا يريدون التعامل مع الدولة".
حزين شومان على مشاهد السهول الزراعية، "فالرزق يتعرض لليباس، وأرض تنتج خيرات ولا نستطيع زراعتها، ومحاصيل زرعناها، لا قدرة لنا على ريّها".
أفق واحد للحلحلة ينتظره المزارعون، وهو قرض منظمة الفاو. في السياق، يدعو شومان "للاسراع بتسليم بونات المساعدة للمزارعين". ويسأل "شو ناطرين؟".

حجة اللاعشوائية، والوقت يداهمنا!

48 يوماً حتى الساعة مرت مذ أن أعلن البنك الدولي تخصيص قرض بقيمة 10 ملايين دولار، لدعم 26700 من صغار المزارعين بالمستلزمات الزراعية والأعلاف، لمساعدتهم في الحفاظ على إنتاجهم الزراعي والحيواني.
نسأل بدورنا وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى عن القرض وتململ المزارعين من انتظاره"، ليجيب "التحري" أن "26700 مزارع يستفيدون منه، وهناك إجراءات تتبعها المنظمات الدولية، من تعبئة طلبات إلى تدقيق وغيرها فالأموال لا توزع بطريقة عشوائية"، مؤكداً أنه "بعد انتهاء مهلة تقديم الطلبات ودراسة الملفات يبدأ توزيع المساعدات والعملية ستستغرق أسابيع قليلة".

"لا إمكانية للتوزيع الفوري والأمر ليس بيد وزارة الزراعة"، يؤكد مرتضى، "فنحن شركاء بالعملية، لكن هناك آليات معتمدة لدى المنظمات الدولية من تشبيك وتدقيق وعمل على الأرض". ثم "لا نستطيع فرض رأي نقيب على الجهات المانحة، ليست هكذا تعالج الأمور وعلينا احترام آلياتهم". لكننا في المقابل "قمنا بواجباتنا لناحية الإعلان عن القرض وتفسير آلية التسجيل". وهنا نستغرب كيف تُعاد كل مرة ذات الآلية وذات الأوراق ولماذا يا ترى تحتاج نفس المنظمة بنفس الإدارة إعادة نفس "الفرض التي قامت به مسبقاً" و "هل يا ترى سنرى هذا النوع من الدقة والتدقيق في ملاحقة المزارعين عدم استخدامهم للمواد في التهريب عبر المسالك غير الشرعية المفتوحة على مصراعيها؟"

أما الأفظع، هو تأكيد الوزير أن "قرض الفاو ليس هو الذي يحدد انهيار القطاع من عدمه، فهو عبارة عن مساعدات فقط، وليس استراتيجية لمنع انهيار القطاع". وفي ذلك تلميح صريح أن الحلول المنتظرة ليست سوى "ترقيعية"!

تعزيز الصناعة الغذائية الريفية

وفي ظل حجم انهيار يعادل سفينة كبيرة تحط رحالها على مضيق القطاع، وتكبس أنفاسه، تقتصر الاستراتيجية الدفاعية لوزارة الزراعة على "انشاء البحيرات، ودعم المشروع الأخضر عبر توفير المساحات الزراعية والاستصلاح، دعماً للقطاع الزراعي. وقد قدمنا في هذا الاطار 4300 طلب لاستصلاح الأراضي وتوفير خزانات المياه. فالأراضي الجديدة بحاجة لبرك ترويها، ما يعزز العمل في القطاع".
أما أزمة الدولار والانهيار فهو على مستوى لبنان ككل، ويعترف الوزير أن وزارته في مقدمة المواجهة. وبالرغم من تأكيده لـ"التحري" بذل جهد خاص للحفاظ على هذا القطاع عبر التشبيك مع المجتمع الدولي والعمل على الأرض وغيرها من الطرق" إلا أن الواقع يشي بأن الكارثة أكبر من أن تُحتوى بهذه البساطة. وأن هناك طوارئ "أمن غذائي" يلوح في الأفق

حلول... على الطريقة اللبنانية

سبق أن قال ممثل منظمة الفاو في لبنان ان البلد مهدد بالجوع وليس بالمجاعة. لكنه ربما لم يقارب الأزمة بمخيلة لبنانية. فتخيلوا مثلاً سطح أحد مباني بيروت مزروعاً، ومع استعصاء زراعة الدولار، ستبقى كلفة الزرع مرتفعة. وليس هذا كل شيء، بل ستشبه "الحديقة" المستجدة، لبنان بتفاصيله.
فسوف ترون "طوابير" سكان المبنى ينتظرون دورهم للزراعة، وسترون "البلطجي" يدفعون له الخوات أو يعطونه "كيلو بندورة"، وسترون ربما حبات الخيار مسروقة، تماماً كأحلامكم بعيش كريم. هي جنة لبنان على سطح منزلكم، هي جنة في قلب جهنم!



بحث

الأكثر قراءة