كلية الطب في الجامعة اللبنانية تنتفض على عميدها... وعائلة الطالب هادي شماع لـ"التحري": تم تهديدنا!

التحري | | Monday, July 19, 2021 12:39:32 PM


فتات عياد
كان على الشاب هادي شماع أن يتحضر لامتحانه في كلية الطب في الجامعة اللبنانية اليوم، وكذلك زملاؤه، لكنهم تحضروا لـ"انتفاضة" في باحة الجامعة، بعد حرمان العمادة لهادي حقه بإجراء الامتحان، ما قد يهدد مستقبله الأكاديمي.
وجراء قرار "غير قانوني"، صادر عن المجلس التأديبي، ومدعوم من العميد نفسه، "مستغلاَ نفوذه الشخصي"، بحسب ما روت العائلة في حديثها للتحري، فإن ابنها اليوم مهدد بمنعه حتى من إعادة الامتحانات، ما يؤثر على سمعته كطبيب، حتى بعد تخرجه!
وبدأت المشكلة بمشاركة هادي منشوراً عبر فايسبوك، لتأخذ منحى شخصياً مع العميد، ويتحول الطالب المتفوق إلى المجلس التأديبي، وتهدد عائلته بالأذى الجسدي.
فكيف تطورت الأحداث؟ وهل فعلاً مارس العميد نفوذاً بدافع التشفي؟ وكيف ستحمي العائلة، حق ابنها بالتعلم في الجامعة الرسمية؟

معاناة الطلاب في كلية الطب: قلوب مليانة!

لم تكن إعادة نشر شماع تغريدة لأحد الأطباء المتخرجين من الجامعة، كفيلة بتوريطه بخلاف مع عميدها يوسف فارس (مدير عام مستشفى الزهراء) وحسب، بل بأخذ الموضوع طابعاً شخصياً كيدياً، أدخل العائلة وابنها في مسار من "إعتذارات"، دون أي حلحلة، فيما مصير شماع الأكاديمي، معلق بـ"غفران" العميد، الذي يبدو من "سابع المستحيلات"!
يروي شماع، الطالب المتفوق في كليته، الأسباب التي دفعته لنشر منشور كتبه أحد المتخرجين من الجامعة، اتهم فيه العميد بإجبار طلابه على كتابة اسمه واسم ابنه المتخرج حديثاً في أبحاثهم.
"لقد تسرعت ربما بتصوير التغريدة وإرفاقها بترجمة باللغة العربية ونشرها"، يقول شماع، عازياً ما قام به لرواج التغريدة بشكل كبير، ما دفعه للبرهة الأولى لتصديقها، إذ أن "عددا كبيرا من الاشخاص اعاد النشر وأوحى بصدقية المضمون".
لكن ولسوء حظه، لاقى منشوره هو بالذات انتشاراً واسعاً، "فوصل إلى أميركا وكل فروع الجامعة هنا"، فلم يعفه حذفه لها من تحويله إلى المجلس التأديبي...
وأخذت الأزمة طابعاً عائلياً، بعدما قامت شقيقته بنشر التغريدة، وعلّقت على المحتوى، كناشطة على مواقع التواصل. وسبق لقضايا أخرى أن قمع الطلاب فيها لنشرهم مواد على مواقع التواصل، لكنها سابقة أن يمتد القمع إلى أفراد عائلاتهم!
وشماع لم يسبق أن رأى العميد في الجامعة كي ينتقم منه بمنشور، يؤكد للتحري، إذ أنه "منذ تعيينه عميداً ونحن لا نراه ولا نستطيع التواصل معه حتى، إذ بعدما شكّلنا وفداً وحاولنا أن نقصد العمادة لنأخذ موعداً معه للاستماع لمعاناتنا، كانت حجة الإدارة الدائمة هي أن لا وقت لديه لرؤيتنا، فمهامه كثيرة".
و"الضغوطات الملقاة علينا في الجامعة كثيرة أيضاً"، ولعلّ أبرزها "عدم تعاطف الإدارة معنا في الصعوبات التي نمر بها، إذ أن البلد كله يمر بأزمة، فيما كثافة المواد المطلوبة للامتحانات مقارنة بغيرها من الجامعات، غير مقبولة، ولا يؤخذ انقطاع الكهرباء مع دروس الأونلاين بعين الاعتبار، ولا ساعات عملنا في دوامات كاملة، كي نصمد في هذه الظروف".
ويعطي شماع أمثلة عملية على معاناة طلاب الطب، سائلاً "هل يوجد جامعة حول العالم يقضي طلابها أربعة اشهر ليجروا 25 امتحاناً في 70 مادة؟ وهل هناك جامعة تغيّر برنامج الإمتحانات لطلابها في اللحظة الأخيرة؟ عدا عن أخطاء التصليح والأسئلة الآتية من خارج الامتحانات؟".
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة الجماعية في الكلية، وعلى الرغم من تجاهل العمادة لها، لم يكن شماع يسعى لثأر شخصي من عميد كليته، وهنا يؤكد "لماذا إذاً أزلت التغريدة في غضون ساعات عندما التمست اندراجها تحت خانة الإشاعات؟"، لافتا الى انه "لقد خشيت أن أكون ساهمت في نقل إشاعة عن غير قصد، وبدافع أخلاقي، ولأنني لا أريد التسبب بأي ضرر ولو معنوي-عن غير قصد-قمت بإزالة المنشور بطيبة خاطر وحسن نية".

مجلس تأديبي... تهكمي!

"تريدون أخذ حقكم من العائلة اذهبوا الى القانون، لكن ما ذنبي أكاديمياً باستخدام العميد سلطته بحقي". يقول شماع، وليس القمع مستجداً في الجامعة اللبنانية، وسبق أن أصدر رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب تعميماً، طلب فيه من الطلاب الذين يرغبون بالتسجيل الالتزام بعدم توجيه الانتقادات إلى الجامعة والمسؤولين فيها. لا بل أنه خلال المجلس التأديبي نفسه، كان 3 طلاب قد سبقوا هادي إلى "التأديب"، لأنهم قاموا برفع شكاواهم للإدارة، لمحاولة تعديل شروط تغطيتهم في المستشفيات.
و"قاموا بكيل الألفاظ القاسية بحقهم، لكن ليس بقدر ما تعرضت أنا له"، يقول هادي مضيفاً "أحد الأساتذة مدّ لسانه في وجهي، فيما قال آخر أني أعاني من الإضطرابات النفسية، وأتناول المواد المخدرة، غير آبهين بحالة الطلاب النفسية ووقع كلماتهم علينا".
"ح تبكينا"، قال له بعض الأساتذة، الذين "استخفوا لأقصى حد بمعاناة الطلاب في الكلية ورفضوا الاستماع إليها"، بل قالوا لي ما حرفيته "الجامعة اللبنانية مفضلة عليكم"، و"لازم تبوسوا الأرض عم تتعلموا ببلاش!". وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة اللبنانية "رسمية" وموازنتها تعتبر قليلة جداً مقارنة بإنتاجية طلابها، كما أن أموالها من خزينة الدولة وأموال الناس وأتعابهم، وليست "ببلاش"، كما أوحى بعض هؤلاء الأساتذة!
انتهى المجلس التأديبي باعتذار هادي عما نشره، وتعهده بنشر الاعتذار على فايسبوك وهذا ما فعله (بعد تهديد مبطن بالطرد). كما تقدم باعتذار خطي للعميد، تمنى عليه أن يعامله "بروح الأبوية"، لكن لم يأته جواب على اعتذاره.
وأتى الجواب من أمانة السر بعد أسبوع، بإخبار هادي بمنعه لمدة شهر من الحضور، لكنه لم يستلم القرار، لأنه لم يوقع –وفقا للأصول- من رئيس الجامعة، أي أنه غير نافذ، لكن العمادة طبقته، فحرمت هادي من اجراء امتحانه. أي أن كل اعتذاراته، لم تلق جواباً!
وحتى طلب الإسترحام قد يتعذر حصوله، فالعمادة هي التي تبت به، وعلاقة هادي بالعمادة، صفر، على عكس علاماته لديها!

الإنتقام

حاولت العائلة حرصاً على دراسة ابنها، احتواء الأزمة حبياً، سيما وأن الامتحانات قد بدأت فعلياً. في الإطار، تقول العائلة "لجأنا لكل الوسطاء الذين يخطرون ببالكم، لكن دون جدوى".
أخيراً، تمكنت العائلة من مقابلة العميد في مستشفى الزهراء، وأول كلمة قالها الأب للطبيب "اعتبره بمثابة ابنك"، ليرد الأخير "لا يشرفني أن يكون ابني"، فيرد الأب على الرد "لكنه أمر يشرفني".
"هددنا بسحب ملف كامل عن تعليقات خالاتي وأختي وأقربائي التي طالته على مواقع التواصل"، يقول هادي، مضيفاً "قلت له ارفع دعوى قضائية بحقنا إن شئت، لكن لا تعاقبني بدراستي".
وعائلة هادي لم تخرج من المنزل منذ أيام، بعد تهديد يونس للوالد علانية بالقول "كان يمكنني أن أرسل 4 أشخاص يضربون ابنك وابنتك وينتهي الموضوع". وهو تهديد استطاعت العائلة توثيقه بالصوت، وهي تعلق بالقول "إيده طايلة، ومدعوم، وكلنا منعرف بأي بلد عايشين نحنا".
وتوقع العميد مزيداً من الإذلال، بل قال لطبيبة أخرى "ليكي ملا عيلة"، لكننا "انذلينا" بما فيه الكفاية، يقول هادي، "فأنا اعتذرت أخلاقيا، لكن قانونيا لا يحق له تنفيذ قرار غير موقع من الرئيس، ولم يعطونا اياه اصلاً، في محاولة ربما لتشديد العقوبة".
أكاديمياً
يخشى هادي اليوم حرمانه من امتحاناته، وإعادة السنة الجامعية، عدا عن أن امكانية الانتقال إلى جامعة أخرى صعبة جدا، وهو يخشى "الانتقام" من علاماته.
وهو الذي عبثاً حاول تقديم طلب استرحام، لأن "التدرج الاداري"، وقف عائقاً في وجهه، يسأل "هل من مزيد من الاجراءات التعسفية بحقي؟ وألا يستطيع العميد ممارسة نفوذه على غيري لأنني تحت سلطته؟ هل هكذا يفهم سلوك التشفي بحقي؟".

إلى القانون درّ!

ترفع العائلة اليوم دعوى جزائية، بعد إقفال باب التفاوض بوجهها. وبحسب نظام الجامعة يعود للمجلس التأديبي بالكلية فرض عقوبة الفصل من الدراسة لمدة تتراوح بين أسبوع وشهر، اما عقوبة الحرمان من الإمتحان فتحتاج لموافقة رئيس الجامعة.
فالعميد والمجلس التأديبي "حاولوا التذاكي"، بحسب موكل العائلة حسن بزي "فأوقعوا عقوبة الفصل من الدراسة لهادي لمدة شهر ولكن طبقوها بحقه بوقت الإمتحانات ما يعني عملياً أنهم أصدروا عقوبة الحرمان من الامتحان"، ما ينطوي تحت "بجرائم استغلال السلطة والنفوذ"، حتى أن قرار الفصل بحق هادي نفذ دون ابلاغه به ليتمكن من الطعن به أصولاً، ويؤكد بزي "زمن بلطجة الفاسدين ولى".

الرأي العام يتحرك

"ما بدي البلبلة، كان بدي ساوي الامتحان"، يقول هادي، وأنا "ممتن لتعاطف زملائي معي لكنني خائف عليهم من سياسة التشفي التي قد يتبعها بحقهم العميد".
بدوره، أدان النادي العلماني في الجامعة اللبنانية "هذا الإجراء التعسفي بحقّ الطالب" مطالباً عميد الكلية "بالتراجع عن قراره هذا"، كما أنه طالب المجلس التأديبي "بمراقبة قضايا جدية بالنسبة إلى الطلاب مثل التحرّش والعنف والتهديد والاستنسابية والواسطات".
أما زملاء الطالب في الدفعة، فامتنعوا اليوم عن إجراء امتحانهم الثاني الذي منع هادي من إجرائه، هاتفين باسم هادي، منتفضين على قرار العميد، مصرين على حق كل طالب بالتعلم، مؤكدين أن زمن القمع في الجامعة ولّى، وأن العصيان له بالمرصاد!

بحث

الأكثر قراءة