لا عام جامعي جديد في الجامعة اللبنانية؟ الأساتذة يستغيثون الدعم وطلابها "راحت علينا"!

أخبار مهمة | | Monday, August 16, 2021 12:08:42 PM


فتات عياد - التحري

"هل سنخسر آخر آحلامنا في هذا البلد ونُحرم من الدراسة؟"، بهذه العبارة تختصر إحدى الطالبات في الجامعة اللبنانية مخاوف زملائها بعدما دعت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة إلى وقف الأعمال الأكاديمية فيها حتى تحقيق مطالبهم. من جهتها، اعتبرت عضو هيئة المندوبين، الدكتورة فاطمة حماصني في حديث لـ"التحري"، أننا "اليوم نصارح الطلاب بحقيقة الأمر ليكونوا على بينة من أمرهم". ما يعني أن تعليم حوالي 80 ألف طالب بات في مهب الانهيار اللبناني الشامل، وأن العلم للطبقات الفقيرة في لبنان بات شبه مستحيل!

وتعتبر ميزانية الجامعة اللبنانية متدنية جداً أسوة بحاجاتها، وتقلص ميزانيتها مرة تلو الأخرى، لصالح الجامعات الخاصة. والأساتذة يطالبون بحقوقهم منذ سنوات، وتشهد الجامعة إضرابات عدّة، أيّد فيها الطلاب حقوق أساتذتهم. لكن هذه المرة لم يدعُ الأساتذة إلى الإضراب، بل دعوا لـ"المساعدة" لضمان "استمرارية" الصرح الجامعي الرسمي.

وإذا كان الأساتذة يجدون صعوبة في الوصول إلى الجامعة بعد ارتفاع سعر صفيحة البنزين، وإذا أصبحت رواتبهم أدنى من فواتيرهم، فوضع الطلاب أسوأ بكثير، وبعضهم لا يكفيه راتب ذويه كاملاً كأجرة مواصلات للوصول إلى "جامعة الفقراء" في لبنان. لكن هل فعلاً لا قدرة لإدارة الجامعة على تحصين أساتذتها وطلابها لضمان استمراريتها؟ وهل يخسر الطلاب عامهم الدراسي مع اشتداد الأزمة؟ ثم ماذا عن جودة التعليم في حال بقيت أبواب الجامعة مفتوحة؟

بيان الهيئة التنفيذية

ويتراوح معدل راتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية بين 3 ملايين وحوالي 6 ملايين ليرة، بمعدل وسطي بات يساوي 200 دولار في الشهر، بعد أن كان يتجاوز الـ 2000 دولار شهرياً. ورواتب الأساتذة كالليرة، خسرت 90% من قيمتها. وتترافق هذه الخسارة مع رفع الدعم عن البنزين والمازوت والدواء، ما يعني أن الحياة في لبنان باتت أكثر كلفة من ذي قبل، فيما الرواتب تتهاوى بسرعة قياسية.

هذا وتبنت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية في بيان، أمس، "توصية" مجلس المندوبين التي تقضي بعدم بدء عام جامعي جديد، وبوقف كل الأعمال الأكاديمية ابتداء من الأول من تشرين الأول، إلى حين تصحيح الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأستاذ الجامعي".

واستنكرت "عدم طلب دعم الجامعة اللبنانية في الكتاب الذي وجهه وزير المال إلى مجلس الوزراء"، ورأت فيه دلالة على "إِهمال المسؤولين لموضوع الجامعة الوطنية ومعاناتها".
كما أبقت الهيئة التنفيذية اجتماعاتها مفتوحة "لمواكبة التطورات الأليمة التي يمر بها الوطن والجامعة اللبنانية".

حماصني: لا نأخذ الطلاب رهينة وكلنا "جائعون"!

بدورها، تقول الدكتورة في كلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية، وعضو مجلس المندوبين، فاطمة حماصني أن هيئة الأساتذة المتفرغين تبنت توصيتنا في مجلس المندوبين الذي صوّت بكثافة باتجاه عدم فتح العام الجامعي لأنه لا إمكانية لفتحه أصلاً إذا لم تحظَ الجامعة بدعم استثنائي ينتشلها من أزمتها الراهنة".

و"لا يزايدنّ أحد علينا في حبنا لجامعتنا التي كرسنا سنوات شبابنا لتعليم الأجيال فيها، لكننا لن نحبها أكثر من أولادنا وما عاد راتبنا يكفينا لتوفير معيشة لائقة لهم". ونحن لسنا نهوى "النق"، لكننا ما عدنا قادرين على الاستمرار ولن نضحك على طلابنا، فجودة التعليم في اوضاع كهذه، ليست مؤمنة، عدا عن تعذر الوصول إلى الجامعة ودفع تكاليف المواصلات للتعليم الحضوري، ولا تكلفة المولد للتعليم أونلاين. وإذا كان الدكاترة ما عادت "توفّي معهم" فماذا عن الطلاب؟

وعن معاناة الأساتذة، تقول "أين العدل في أن يتقاضى أستاذ جامعي بقي 12 عاماً "يبقّ عيونه درس" ليحصل على الدكتوراه، ويتقاضى 4 ملايين ليرة؟ وكيف نطلب منه التعليم اونلاين وتسديد فاتورة مولد قد تتجاوز المليون ليرة؟ أي ربع راتبه؟ هو الذي لم يقصر مع طلابه يوماً؟ وأي موقف يدعو للخجل والقهر في آن، ذلك الذي يجعله يستدين منذ الأسبوع الأول من تقاضي راتبه، عوض أن يكرم على تفانيه لسنوات في الصرح الجامعي؟!".

وتلفت إلى أننا "نحن لسنا في حالة إضراب، بل حتى لو أردنا فتح العام الجامعي الجديد، لا نملك مقومات الاستمرار إذا لم تقدم المساعدات لنا ويقدم الدعم لجامعتنا، أي أن الأمر خارج عن إرادتنا"، فـ"الأساتذة جاعوا رسمياً، فاين الدولة من تأمين الإمكانيات لضمان عطائنا؟".

وترفض الاتهامات بأخذ الطلاب رهينة، فـ"نحن نصارحهم بالواقع، ونطلب الدعم لنا ولهم على السواء، وكذلك لموظفي الجامعة وأساتذتها من متفرغين إلى متقاعدين ومتعاقدين وأساتذة الملاك، ولن نكذب على طلابنا فنعدهم بجودة التعليم كما في السابق، بينما لا كهرباء في القاعات ولا مياه ولا صابون للتعقيم في عز انتشار كورونا، فهل هذه بيئة آمنة للتعليم؟ وماذا عن شح الورق في الجامعة؟ ومن يضمن تأمين المازوت لتشغيل الإضاءة حيث الكليات؟ ومن يضمن توفر الكهرباء في المنازل للتدريس أونلاين؟ وهل تعرف دولتنا أنه ليست كل الاختصاصات تدرس عبر الانترنت؟ وماذا عن الدروس التطبيقية؟ وكيف ينجح طالب طب لم يتدرب في عيادة ولم يتعامل مع مريض ولم يجر عملية؟ فهل نخرّج أطباءنا نظرياً؟".

الـPCR مصدر للدعم؟

هذا وتلفت حماصني إلى أنه "سمعنا مراراً على لسان رئيس الجامعة أن هناك وفراً للأموال فيها، فلماذا لا يترجم دعماً للكوادر التعليمية؟". وتسأل عن "الأموال التي تدخل يومياً للجامعة لقاء إجراء فحوص الـpcr للمسافرين، فلماذا لا تنظر الجامعة في وضع أساتذتها إن كانت تتقاضى 50 دولاراً على الفحص الواحد وتجري فوق الـ1000 فحص يومياً؟".

وتتطرق حماصني إلى وضع الأساتذة المتقاعدين الذين لم يتم إدخالهم إلى الملاك، "فهل يجوز إنسانياً رميهم لمصيرهم بعد 35 عاماً من التعليم؟ إذ لا معاش تقاعدياً لهم، ولا ضمان صحياً"! وإذ تسخر من حرمان الاساتذة المتفرغين حتى من "بيع علكة لتحسين أحوالهم"، تعلق بالقول "يا غيرة الدين عندما تأتي من مسؤولين هم ملوك في التوظيفات العشوائية!".

وبغصة، تقارن بين وضع أساتذة الجامعة ووضع موظفين عامين آخرين، في إشارة إلى "القرار الوقح لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع رواتب بعض موظفي المصرف المركزي". سائلة "لماذا يتقاضون الملايين ونحن كأساتذة لا ينظر في وضعنا أحد؟". كما وتقارن بين الدعم الذي حمى مؤسسة الجيش من الانهيار، وترك الجامعة الرسمية لمصيرها، مضيفة "ألا يبالي أحد في هذه الدولة بالتعليم؟ أم أن هناك مخططاً لضرب الجامعة؟".

استحالة التعليم

وبأسف، تقول حمصاني، كأي قطاع في لبنان، التعليم في الجامعة اللبنانية "انضرب"، وحتى تجربتنا في التعليم أونلاين لم تكن ناجحة لا سيما مع انقطاع الانترنت ورداءة الشبكة.

والمشكلة ليست في الرواتب وحدها، ففي ظل الانهيار الحاصل، "هل من المعقول لطالب في كلية طب الأسنان أن يتلقى تعليمه في كلية تطبيقية دون التمرين في العيادة؟ وكيف ينجح ولم يطب شيئا بيده؟". وبرأيها، نحن "نظلم" الطلاب إذا قبلنا بفتح العام الجامعي وفق هذه الشروط، وغش الطلاب بتخريجهم عشوائياً". والمطلوب إعطاء مهلة أشهر ريثما تجد الإدارة تجد حلاً يحمي أساتذة الجامعة وطلابها وجودة التعليم فيها".

ميزانية الجامعة

وهناك آلاف الطلاب الذين يأتون من البقاع والجنوب للتعلم في بيروت، وبعضهم لا قدرة له على الوصول لإجراء الدورة الثانية لامتحانه أو امتحانات الدخول لا سيما إن رفع الدعم عن المحروقات كلياً. فمن يؤمن أجرة المواصلات لهؤلاء الطلاب؟ وإذا كانت هذه الجامعة تؤمن التعليم للطبقات الفقيرة بجودة تعليم مشهود لها عالمياً، فهذا العام يتوقع نزوح 20 ألف طالب من الجامعات الخاصة إليها. فهل المطلوب أن يُحرم 100 ألف طالب في لبنان من التعليم؟.
وبرأي حماصني، هناك مؤامرة لضرب التعليم الرسمي، لا سيما مع اقتطاع 10.33 مليار ليرة من ميزانية الجامعة، المنخفضة أصلا، أي ما نسبته 2.7 %، لتصبح ميزانيتها 364 مليار ليرة. وبرأيها "نسي الذين ينظّرون ويقرون الميزانيات المجحفة بحق جامعة الوطن، ماذا تعلموا في الجامعة، إذ لو تعلموا شيئاً، لما كانوا ليأخذوا قرارات عشوائية بحق المواطنين".

وبرأي طلاب الجامعة، فهم مهددون بحقهم الطبيعي بالتعلم، وبدؤوا بالحديث عن "انتفاضة" لا مفر منها، لمواجهة حرمانهم حقهم بالحصول على شهادة جامعية. كل هذا يحصل، فيما وزارة التربية والتعليم غائبة عن السمع، فهل من يمدها بالكهرباء والانترنت علّها تسمع بأزمة بحجم جامعة الوطن؟

بحث

الأكثر قراءة