في وداع وزارة الاقتصاد: دموع التماسيح عندما يذرفها وزير أمعن في تجويع شعبه

حقوق الناس | | Thursday, September 16, 2021 6:48:30 PM


نبيل الزعبي

حتى كتابة هذه السطور، لم يتطوّع بعد أي أكاديمي متخصص في علم النفس وحركة الجسد، ليفسّر لنا الدوافع التي حرّكت دموع وزير الاقتصاد اللبناني في الحكومة المستقيلة راوول نعمة وهو يسلّم الوزارة لخلفه.
ولماذا انكب باكياً أمام اللبنانيين مودعاً وظيفته السياسية التي شغرها لما يزيد عن العام ونصف العام تحولت خلالها لقمة المواطن في رغيف عيشه إلى أدنى ما تشهده من مذلّة واحتكار على أيدي مصاصي دماء لم يرعووا او تتحرك لديهم ذرّة ضمير وهم يصادرون خبز المواطن المرّة تلو المرّة،
تلاعباً بوزن الربطة وانقاصها التدريجي مقابل رفع سعرها التصاعدي.
حيث، تم على ايديهم، اختراق خط الدفاع الأخير لعيش الناس بإشراف من كان يُفترَض به أن يكون الحريص الأول في الدولة اللبنانية على عدم المس به ، والمنافحة من أجل إبقائه في متناول الفقراء والمعوزين ولو أدى ذلك إلى المواجهة المكشوفة مع أصحاب الافران وفضحهم وكشفهم أمام الرأي العام اللبناني...

وهذا ما عجز عن فعله الوزير المذكور وتحول بالتالي طوال فترة وزارته الى متحدثٍ بإسم أصحاب الأفران وتجار الطحين والمواد الغذائية، وكأنه الممثل الشرعي لهم في الحكومة وليس ممثلاً للبنانيين ومنوطاً به الدفاع عن مصالحهم وقوتهم اليومي.

من هنا لم نسمع يوماً ان هذا الوزير قد أغلق فرناً يبيع فوق التسعيرة الرسمية، أو أوقف مطحنةً تعللت بأسباب مشبوهة كي تستفيد من القمح المدعوم، أو أحال المحلات الكبرى التي تستفيد من هذا القمح بعد استخدام طحينه في صنع الحلويات والمعجنات والبيتي فور والكعك والمناقيش،
وبيعها بأسعارٍ خيالية دون حسيب او رقيب!
دون أن نغفل الدور الإحتكاري الأخطر لصالات السوبرماركت وتجار التجزئة للمواد الغذائية وكيف كانت المواد المدعومة فيها تختفي بلمح البصر ليلجأ أصحابها إلى التسعير وفق السوق السوداء للدولار ساعةً بساعة وعيونهم لا تغادر البورصة "الدولارية "وأياديهم تعمل على حركة هذه العيون مع كل ارتفاع للدولار فيما يصيبها الشلل عندما ينخفض!

كم كنا نتمنى لهذا الوزير أن يبكي أمام إحدى الأمهات اللواتي كن يبحثن عن حليبٍ لأطفالهن، فيقتحم مستودعاً أو مخزناً احتكر هذه المادة وأخرج منه الحليب المخزّن لبيعه بأسعاره المدعومة على الأقل، والإشراف على ذلك والتدقيق في كيفية إيصاله لأبناء بلده، بدل أن كنا نفاجأ يومياً بالمواد الغذائية المدعومة المهرّبة مركونةً على رفوف المخازن الكبرى خارج لبنان، وحيث يستطيع أن يصل المهرّبون.

قطعاً، لم يبكِ هذا الوزير فرحاً وهو يغادر مسؤولياته لتسليمها إلى آخَر، وقد خسر نفوذاً كان يُشْعِرُهُ يوماً أنه تلبّس حنان "ماري انطوانيت" التي لم تجد لمعالجة فقدان الرغيف سوى في لجوء الناس إلى أكل "البسكويت"،
كما أننا نجزم أنه لم يذرف الدمع حزناً على شعبٍ اشتهى لقمة الخبز على أيامه وصار الرغيف يُسَعّر بالغرام كما يُسَعّر الذهب على أيدي ميليشيا الأفران والمطاحن الذين لم يخجلوا يوماً بتهديد اللبنانيين صباحاً ومساء برغيف الخبز وهم يتظاهرون كالحملان ويتصرفون تصرُف الذئاب فلا من يردعهم ولا من يسد "فجعهم" واحتكارهم غير المحدود.

إن الأصّح من هذا وذاك، وإلى أن تُحال تلك المشهدية الباكية للوزير المذكور للتحليل والنقد العلمي على ايدي مختصين وخبراء في لغة الجسد،
ومع اقتناع الغالبية العظمى من اللبنانيين ان تلك "البكائية" ليست سوى مهارة فائقة في التمثيل الذي أتقنه الوزير وهو يواجه مواطنيه بالمزيد من الوجوه التي تتغير كما الملابس الداخلية، فإن التاريخ لن يذكر هذا الوزير بالخير البتة، وسيبقى أنموذجاً للوزير الفاشل كما وصفه اقرب المقرّبين إليه ممن دعموا الحكومة المستقيلة ولم يتوانوا يوماً عن نقده باقصى العبارات اللاذعة، وربما هذا، ما دفعه الى ان يبكي على نفسه امام الناس قبل أن يبكي على أي شئٍ آخر وهو يدرك ما جنته يداه وسياسته الفاشلة من تقصير غير مسبوق في مسؤولياته وبات من المستحيل عليه تصحيح صورته امام مواطنيه وقد أغرق نفسه في بحر من الفشل.

فهل يستفيد الخلَف من تجربة السلَف ويسعى إلى إنقاذ ما يمكن انقاذه من اقتصاد هذا البلد فتعود اليه بعضاً من عافيته اولاً بأول، وأقله كي لا نترحم على أيام الوزير السابق ودمعه الكذوب؟

بحث

الأكثر قراءة