متطوعو الدفاع المدني يطفئون نيران الكوارث.. ولا من يطفئ مظلوميتهم!

حقوق الناس | فتات عياد | Tuesday, October 12, 2021 4:49:12 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

"لو لم يلبّ عناصر الدفاع المدني النداء، ماذا كان ليحلّ بمنشأة الزهراني؟"، هي عبارة تناقلها الكثيرون أمس، مستذكرين مظلومية قضية متطوعي الدفاع المدني، الذين "لا يتأخرون عن المهمات مهما بلغت من الخطورة"، و"رغم حرمانهم حقوقهم". ومشهدية الزهراني إذ ذكّرت اللبنانيين بفوج الإطفاء الذي تم إرساله إلى الموت المحتم، لم تثنِ متطوعي الدفاع المدني عن إطفاء حريق في أحد خزانات البنزين في المنشأة رغم احتمال توسعه، في وقت لا يجدون فيه من يطفئ نار مظلوميتهم، لا بل، لا يجدون حتى من يعبئ لهم مادة البنزين بهدف الذهاب إلى خدمتهم!

ولم تفكر الدولة على مدى سنوات بمكافأة هؤلاء المتطوعين، سوى بـ"مفكرة" تارة ومكافأة سنوية مالية "مش محرزة" طوراً، قبل أن يبخل عليهم بها وزير المال السابق علي حسن خليل بحجة الخوف من أن تكون مرتعاً للهدر والفساد، ومن يسمعه قد يصدق ان من لم يكن حريصا على ارواح اللبنانيين، حريص على أموال الدولة!

وبعض متطوعي الدفاع المدني يرجع تطوعهم إلى 30 عاماً للوراء، وأنصفتهم القوانين أخيراً عام 2014 لناحية تثبيتهم، لكن زواريب السياسة أبقتها "حبراً على ورق"، في حين أن كلمة "شكراً" لا تطفئ حريقاً ولا ترد لذي حق حقه، أما الدولة اللبنانية، فتطمئن اللبنانيين الى ان "دولة قبرص جاهزة لإرسال طائرات مساعدة لإطفاء الحرائق" عوض تبريد قلوبهم عبر تمكين الدفاع المدني عتاداً وعديداً. ومهما كتبت كلمات عن معاناة هؤلاء المتطوعين، تبقى المعاناة على لسانهم، أشدّ وطأة...

سخط كبير
والحرقة في قلوب متطوعي الدفاع المدني، بلغت بأحدهم حدّ القول "ما كان لازم يشاركوا رفقاتنا بإطفاء حريق البنزين، بالوقت يللي نحنا عالمحطات ما بيمرقونا، والوسايط شغّالة"، ولا يبرئ مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطّار من "التلكؤ في حماية المتطوعين والوقوف الى جانبهم"، متسائلاً "لماذا الأمن العام والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، مديريات لديها رؤساء يحمونها ويحصلون حقوق عناصرها، بينما العميد خطار لا يشاركنا حتى اعتصاماتنا المطلبية ولا يرفع الصوت معنا؟".

في السياق، يقول متطوع آخر "بعض زملائنا المتطوعين المحسوبين على الأحزاب لا يشاركوننا اعتصاماتنا إلا بإيعاز من أحزابهم، وهل يعقل أن توصل الأحزاب مناصريها حدّ السكوت عن حقوقهم؟"، مضيفاً "تحولت قضيتنا إلى قضية راي عام عام 2019 وبعد ثورة 17 تشرين تم نسياننا، لكنني لا ألوم الثورة، فأنا أيضاً أصبحت ضد كل السياسيين، لأنهم أوصلوا البلاد إلى هذا الدرك وحرموا الوطن والمواطن الأمان الاجتماعي والبيئي والحماية المدنية بكل أشكالها، وهم من يتاجرون بقضيتنا، ويرمونها في الجوارير".

طبِّقوا القوانين: أنصِفوا القضية!

وفي حديث لـ"التحري"، يلفت المتطوع في الدفاع المدني أنور فياض إلى أن "الجميع يتحدث عن النقص في الآليات لكن ماذا عن العنصر البشري؟"، إذ برأيه "العنصر البشري أهم شيء، إذ أنه إن لم يكن هناك عناصر دفاع مدني، الآليات وحدها لن تطفئ الحرائق"، مستشهداً "بالبسالة والخبرة والانجازات يحققها متطوعو الدفاع المدني رغم مقومات البسيطة المتوفرة لدينا".

ويتسلح بهذه المقاربة ليذكّر بضرورة استيفاء شروط القرار 289/2014 الصادر في المجلس النيابي في آخر عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2014، و"المتضمن 4 مراسيم لم ينفذ منها مرسومان: الأول تثبيت المتطوعين، ما حرم مئات المتطوعين، من حقهم في التثبيت، والثاني هو تكملة عديد المديرية وتجهيزها بالعتاد اللازم".

ويعزو توقف تنفيذ كافة مواد المرسوم لعدة أسباب "بعضها قانوني وبعضها سياسي فيما الحجة العلنية هي عدم توفر الأموال للتثبيت"، متسائلاً "كيف وللصدف وقبل الانتخابات بأشهر يوظف الآلاف توظيفاً عشوائياً، اما نحن، المتطوعون لعقود في الدفاع المدني، فنحرم من حق كرسه لنا القانون، وينص على توظيف كل المتطوعين العاملين منذ العام 2011 علماً أن هذا القانون مستثنى من قرار وقف التوظيف في الدولة؟".

"وبعضنا ضحّى لثلاثية عاماً كتمطوع في الدفاع المدني"، و"ولا مرّة قلنا لا" على أي مهمة طلبت منا، "لكنها حقوقنا الطبيعية، ولدينا أولاد نربيهم، فيما عملنا مجاني بالكامل"، أما "كلمة يسلموا، فما بتطعمي عيلنا"، كما أنه "في الدولة كلها ليس هناك متطوعون بالمجان سوانا"، يقول فياض.

الميزانية الخاصة بمتطوعي الدفاع المدني.. بلد بغير حماية مدنية!

وإذ يستغرب فياض "شح الميزانية المخصصة لمتطوعي الدفاع المدني التي لا تتعدى الـ 80 مليار ليرة"، يسأل "هل يراها اللبنانيون منصفة لمديرية تواجه حرائق وكوارث بيئية وأحداثاً على مدّ الوطن؟"، وينوه إلى أنه "كيف يتم الحديث عن إصلاحات في بلد غير مستعد لإدارة كوارثه؟ وحرائق عكار 2020 والجبل 2019 شاهدة على ذلك؟"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّه "البلد الذي لا يحظى بحماية مدنية كافية، يفقد استثماراته، فهو معرض لخسائر بملايين الدولارات مع نشوب كوارث دونما تصد متين لها، ولا يكترث لهذه الخسارات أحد!".

من جهة أخرى، يشرح كيف يتأثر العمل بالعنصر البشري "إذ وبمجرد تثبيت المتطوعين يصبحون موظفين بدوام كامل ويتفرغون لهذا العمل". أما عدم التفرغ، "فقد يؤدي إلى بطئ عمليات الإنقاذ، كأن ينتظر حريق اشجار ريثما يصل الشباب وتمتد النيران وتصبح الكارثة أكبر" عدا عن "تركنا لأشغالنا الأساسية لتلبية النداء". وفي السياق يقول "ياما خسرنا أشغالا نتيجة تلبية نداء الدفاع المدني وتركنا أعمالنا".

ووصل شح الميزانية إلى عدم تجديد ورقة التطوع التي يتم تجديدها سنوياً، سوى ببرقية دون تجديد للبطاقة المطبوعة، ما جعل عناصر الدفاع مرتابين حتى من إقرار الدولة بحقيقة تطوعهم!
بدوره، يقول فياض "إذا بخلوا علينا بعيدية سنوية، كيف نتأمل خيراً بتثبيتنا؟ ويوم منعت عنا العيدية قلت لزملائي ما بحياتنا رح نتثبّت"، ولدى سؤاله عن الجهة التي يناشدها اليوم يقول "وعدونا كثيراً ونحن مسؤولية الوزير الوصي والحكومة بما أنها السلطة التنفيذية، وهذا دورها الدستوري والطبيعي، فكفى مماطلة واستهتاراً!".

نفسياً: المظلومية وحدها تكفي!

"المظلومية وحدها تكفي"، بهذه العبارة يختصر فياض وصف نفسية متطوعي الدفاع المدني، "فالظلم اللاحق بنا والغبن المعمم بحقنا وحدهما سبب في إحباطنا وتعب نفسيتنا"، و"من الآخر، لا تحسن لمعنوياتنا دون تثبيتنا وإعطائنا حقوقنا".

اما عن الصدمات النفسية، لا سيما لعناصر الدفاع الذين رأوا ما حل بفوج اطفاء بيروت يوم انفجار المرفأ وكيف أرسلوا إلى الموت، فيقول "عندما اخترنا أن نكون في هذا السلك كنا نعلم أننا معرضون للخطر، وفي أي لحظة قد نتعرض لحادثة أثناء تأدية واجبنا"، لكنه لا ينكر أنه "ربما بعد انتهاء المهمة قد يتعب البعض نفسياً، لكننا كالحجر أقوياء بعقلنا لحظة المهمة". و"الأمر يختلف بحسب العنصر، وكلنا في لبنان بحاجة لعلاج نفسي، إذ أن أزماتنا متلاحقة وعميقة وصدماتنا كذلك".

وأكثر ما يحزن متطوعي الدفاع المدني، هو "أن المسؤولين لا يريدون للإنسانية أن تسود، فمتطوعو الدفاع المدني يهبّون لإطفاء الحرائق ولا يسألون إن اشتعلت عند محمد أو طوني أو علي، فالواجب الإنساني لا يخضع للإنتماءات السياسية والطائفية والمذهبية، التي تجعلهم لا يثبتوننا بانتظار "توازنات ديموغرافية" بينما كل أبناء الوطن من عدم تثبيتنا متضررون!

ومع أن تثبيتهم حق منحهم إياه القانون وليس منّة من أحد، لكن متطوعي الدفاع المدني، وكبادرة حسن نية، عرضوا "تشجير الأراضي الشاسعة التي احترقت عام 2019 وأصبحت جرداء، وذلك بمساعدة الوزارات المعنية والبلديات" في حال تم تثبيتهم، ويبدو أن مسؤولي الدولة اللبنانية لا تدخل في قاموسهم كلمة "تشجيع" ولا "تحفيز" ولا مكافأة إلا من باب الرشوة، وهم بذلك يمنعون عن متطوع الدفاع حقهم بالتثبيت، بينما أحد لم يطلب منهم "مكافأة"!

بحث

الأكثر قراءة