المردة يضرب عصفورين بحجر: تطيير الخصوم وتقديم أوراق اعتماد لحزب الله على طبق من "كرسي رئاسة الجمهورية"!

التحري | فتات عياد | Saturday, October 16, 2021 9:22:34 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

ليست صدفة أن يلمّح النائب طوني فرنجية لاصطفاف تيار المردة إلى جانب حزب الله حيال أحداث الطيونة الأخيرة، ويجدد الولاء له في اليوم نفسه الذي أعلن فيه مصدر قيادي في الحزب أن "لا ثقة بحليف مسيحي سوى رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية"، تزامناً مع الحديث عن سقوط تفاهم مار مخايل عند تخوم الشياح-عين الرمانة، قبل بضعة أشهر من الإنتخابات الرئاسية، وسط أجواء إقليمية توحي بانفتاح عربي (إماراتي على وجه الخصوص) على النظام السوري، وسيطرة محكمة لحزب الله على الدولة، واتجاه لتقاسم النفوذ فيها بروح فرنسية-ايرانية، وسط انسحاب أميركي من المنطقة، أقله بالمعنى العسكري.

وهل من تطابق مع رواية حزب الله لأحداث الطيونة بل وتسليم بها أكثر من قول النائب طوني فرنجية "لم يكن أحد في وارد اقتحام منطقة مسيحية وما حصل كان كميناً محكماً"؟ وأليس هذا اتهاماً واضحاً للقوات بمسؤوليتها بافتعال الأحداث، بل وتحميلها عواقب "جر" المنطقة إلى اقتتال كانت "بغنى عنه"، مع تبرئة مطلقة لحزب الله من المسؤولية؟

والمردة لا يتطابق مع الحزب في موقفه فحسب، بل يجدد له البيعة كالولد المطيع الذي يسعى لكسب رضى أبويه، وما ثناء سليمان فرنجية على حزب الله عبر قوله "يجب أن نتعلم مما حدث ونحيي حركة امل وحزب الله على استيعابهم الامر"، إلا دليل على ذلك، وما تأكيده على أن "الفتنة لن تخدم احداً خاصة عند المسيحيين"، إلا دليل على أن رضا الحزب لا يكون عبر كلمات الثناء فقط، بل عبر إزاحة خصوم البيت المسيحي الواحد...

عصفورين بحجر/ هدف ثنائي الأبعاد

"المردة أولاً وآخراً وطنيون"، يقول طوني فرنجيّة، مبرراً العبارة التي تليها، إذ "لا أحد يخرج من ثيابه ونعرف موقعنا جيداً في ما لو دعت الضرورة". وهذه الجملة لم يرمها فرنجية عبثاً، فالجلوس في أحضان حزب الله لا يمنع عن عشيقاته، المردة والوطني الحر، استعادة مواقعهم الأصلية -المسيحية- عند الضرورات "المناطقية". من هنا، وجب التباين -بأقل درجة متاحة- مع الحزب، عبر تذكير المردة لجمهوره قبل أي أحد آخر، أنه تيار "مسيحي" أولاً وآخراً، وأن الحضن الشيعي لم ينتزع منه جذوره الطائفية.
ويبدو ان أحداث الطيونة أعادت إليه ذكريات مشاركته كميليشيا في بيروت أيام الحرب ضد المحاور الفلسطينية-الإسلامية، فذكّر بيئته الحاضنة أن الاصطفاف السياسي شيء، والاصطفاف العسكري شيء آخر، إذا ما فرضت المعركة، ولو ان رئيس المردة سليمان فرنجية الذي لم ينسَ يوماً أنه ماروني، يدرك جيداً أن موازين القوى تجعل طريق بعبدا غير معبّدة إلا لسالكي السجاد المحاك ايرانياً، والمباع عبر حزب الله، وبعملة "الولاء المطلق" له كتبعية!

ويصعب تمايز فرنجية عن الحزب، فما يجمعهما أكبر مما يفرقهما، فهو -وعلى عكس الوطني الحر- لطالما فاخر بعلاقته مع سوريا. من هنا، وفي وقت يجبر فيه رئيس التيار الوطني جبران باسيل على محاكاة شارعه المسيحي في ملف انفجار مرفأ بيروت، خوفاً من خسارة المزيد من الاصوات في الانتخابات القادمة، ليتبلور الانقسام العامودي الحاد في العلاقة الاستراتيجية بين الحزب التيار، ويظهر جليا في موقف وزير العدل المحسوب على رئاسة الجمهورية، الذي اعتبر أن "القاضي طارق البيطار هو سيد ملف مرفأ بيروت ويحق له استدعاء من يريد"، لا يرى المردة حرجاً في التظاهر مع الحزب، ضد القضية!

ويكثف المردة الهجوم على التيار الحر كخصم رئاسي ليس إلا، على عكس القوات التي تتبارز مع التيار الحر نيابياً بشدة، ففرنجية لطالما كانت معركته النيابية محصورة ضمن نطاق اهدن وزغرتا، على عكس التيار الحر، أكبر كتلة نيابية.
من هنا، تضيق المعركة الرئاسية لتصبح أسهل لناحية محددات الخسارة بالنسبة للمردة، وأسهل الطرق إلى سدة الرئاسة هي اكتساب "قلب" حزب الله بالمعنى المجازي، وحوز ثقته المطلقة بالمعنى السياسي، سيما وان الحزب جرّب باسيل -ملك الإزدواجية- في المواقف وفق مصالحه الضيقة، اللاعب على حبال المحاور الإقليمية، وتذوق مرارة التجربة!
أما فرنجية، فيقدم نفسه على انه غير متقلّب، منصاع بالكامل للمحور الممانع وتحديداً للنظام السوري، هو "مازوشيست" في علاقته مع الحزب، وكل "تنازلاته" على طريق تلبية رغبات الحزب السياسية، ترخص، أمام تبني الحزب له كمرشحه الأوحد للانتخابات الرئاسية، هو الذي يدرك ان حزب الله يفرض الفراغ الرئاسي كرمى لعيون مرشحيه (ما حصل بالفعل ايام ترشيحه ميشال عون، الذي أتى "ببندقية الحزب" للرئاسة وفق النائب السابق نواف الموسوي)، وليست البندقية غريبة على آل فرنجية، فسليمان الجد، سبق أن أتى رئيساً ببندقية طوني فرنجية، والد سليمان فرنجية الحفيد، رئيس تيار المردة!

وليس التيار الوطني الحر بمنأى عن حسابات الكرسي الرئاسي، لكنه يبدو أكثر محدودية تجاه شارعه الذي لن يقف متفرجاً على خطاب كـ "شيعة شيعة" مجبول بتصرفات بلطجية ترقى لفعل "اقتحام" في مناطق ذات نفوذ مسيحي، بينما يتركز نفوذ فرنجية في اهدن-زغرتا. ثم ان باسيل لن يبق مكتوف الأيدي أمام العقوبات الأميركية، هو الذي يراهن على المفاوضات النووية، ويخشى تطيير فرصه كمرشح تسوية، اضافة إلى كونه رأس حربة العهد الذي جلب للبنان الانهيار، وكل هذا يدفع من رصيده، أما فرنجية، فلم تكن سلطته التنفيذية محصورة بأكثر من بوزارة الأشغال، وهي سلطة بغاية الأهمية، فهي مفتاح الارتباط بحزب الله، والتورط معه في آن...

وزارة الأشغال: "دافنينو سوا"!
وإذا كان الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله يجمعهما عصب طائفي، فإن الحزب والمردة يجمعهما ما هو أكبر، وإذا كان الحزب يعرف ما في مرفأ حيفا، ولم يكن على علم بما في مرفأ بيروت قبل انفجاره في 4 آب 2020 وفق قوله، فلعل من المفيد تذكيره بأن عيونه في المرفأ كانت وزارة الأشغال، ومفتاحها منذ سنوات هو تيار المردة!
والمردة الذي ادعى القاضي طارق بيطار على وزيره يوسف فنيانوس بجرم القتل الاحتمالي بجريمة انفجار المرفأ، بقي لسنوات متمسكاً بوزارة الأشغال، في وضع يدعو لـ"الارتياب"، هو الذي ارتاب من محققين عدليين متتاليين، خوفاً من استجواب فنيانوس وتوقيفه!

ولا يمكن نسيان أن الاثنان -أي حزب الله والمردة- غارقان "في مغطس واحد"، فمصادرة المردة لوزارة الأشغال لسنوات عدة، فيما الوزير الوصي على المرافق العامة من مطار ومرافئ، هو وزير الأشغال، يعني أن الحزب والمردة "دافنينه سوا"، وها هما في المعركة سويا ضد البيطار والعدالة، يحشدان لتظاهرة للثلاثي امل الحزب والمردة، في اجتماع غير مألوف إلا في تظاهرة "شكراً سوريا" التي حصلت عقب ثورة الأرز عام 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان، والتي كانت بمثابة تجديد البيعة للوصاية الأجنبية!

أداة بيد الحزب

وحاول فرنجية التباين عن الحزب حول التحقيق في ملف انفجار المرفأ، الذي "نرفض نسفه وتطييره"، لكن على قاعدة "أسمع كلامك اصدق اشوف امورك استعجب" عبر رفع الدعاوى لكف يد البيطار عن الملف، لكنه ناقض نفسه عبر مسؤوله الإعلامي المحامي سليمان فرنجية، الذي قال أن "تعليق مشاركة وزراء التكتل الوطني لم يطرح طالما أن تعليق المشاركة من قبل الثنائي يفقد الحكومة ميثاقيتها الدستورية"، مؤكداً أن "موقفهم السياسي داخل الحكومة هو مؤيد لحليفيهما من دون أدنى شك". أي أنه "ساعة تحتاجوننا لتنفيذ أجندات سياسية، نحن في الخدمة"!


وحتى لو قرر المردة التضحية بفنيانوس عبر تسليمه للعدالة، فعنجهية التيار فهو الذي قرر أن يكون أداة للحزب وليس نداً، لن يضحّي بالتقاطع الإستراتيجي مع حزب الله فيما خص ملف انفجار المرفأ لأسباب عدة، أبرزها:
-الخشية من تكريس مبدأ المحاسبة في ملف انفجار المرفأ، ومن أن تطال العدالة ملفات أخرى تتورط فيها شخصيات من المردة.
-ولاء المردة المطلق للمحور الممانع، وللنظام السوري تحديداً، والمشتبه باستقدامه نيترات الأمونيوم المنفجرة في العنبر رقم 12 في بيروت، عبر حزب الله!

-التورط بانفجار مرفأ بيروت، وأسوأ ما فيه هو التنسيق مع حزب الله، وما يعنيه هذا مسيحياً.

وليس العصب المسيحي وحده الفيصل في مواقف المردة المعلن والخفي منها، إذ لا يمكن إغفال نشأة التيار ذو البعد الإقطاعيي-الخدماتي، والمحدود جغرافياً.

وشعبية فرنجية في زغرتا غير كافية نهائياً لجعله رئيساً "قوياً" بتأييد حزبي او جماهيري على امتداد الوطن، لا بل إن مصطلح "شعبية" لا ينطبق عليه كالسابق في عقر داره، كما أن الاستحقاق الرئاسي يأتي بعد ثورة شعبية وتفجير ثلث العاصمة وانهيار اقتصادي وهجرة جماعية... من هنا، يراهن فرنجية على غياب مرشح تسوية للرئاسة، ومبايعة حزب الله للبنان، كوصاية إيرانية بأياد لبنانية، ليأتي هو مرشحا على بساط أخذ لبنان رهينة، تماماً كالياس الهرواي عندما حكم لبنان في ظل الوصاية السورية، وهو سيناريو مقيت يشتهيه فرنجية، ويخشاه كل خائف على السيادة!



بحث

الأكثر قراءة