التدقيق الجنائي بدأ... تشكيك بالنوايا وصعوبة في التطبيق!

التحري | فتات عياد | Thursday, October 21, 2021 8:23:18 PM
فتات عياد
التحري

اليوم رسمياً، بدأ التحقيق المالي الجنائي بحسابات مصرف لبنان، الذي تتولاه شركة "ألفاريز آند مارسال" من خلال عقد أبرمته مع وزارة المالية اللبنانية، وذلك بعد تعثر دام لأشهر، على إثر انسحاب الشركة من عقد سابق جراء تمنع مصرف لبنان عن تزويدها بالمعلومات المطلوبة. وإذ يأتي العقد الجديد قبل حوالي شهرين فقط من انتهاء مدة قانون رفع السرية المصرفية الذي أقراستثنائياً لهذه الغاية، شكوك كثيرة تطرح حول مقدرة "ألفاريز" على إنجاز تدقيق بحسابات بملايين الدولارات بمصرف لبنان المركزي، الذي يشتهر حاكمه رياض سلامة بـ"الدهاء" الذي لطالما استخدمه لصالح الطبقة السياسية وسياساتها المالية، هو الذي حظي لعقود بتغطية من قبل المنظومة ذاتها التي تسببت بالانهيار الاقتصادي!

وقبل ان يكون التدقيق مطلباً لصندوق النقد الدولي كبند للإصلاحات لا مهرب منه لبلد اعتاد الاستدانة وغابت المحاسبة من قاموسه، كان التدقيق مطلباً شعبياً ترجمته ثورة 17 تشرين تحت شعار "استعادة الأموال المنهوبة". لكن، وعلى الرغم من وضع التدقيق الجنائي على سكة التنفيذ أخيراً، يبقى التشكيك بنية جدية بإنجاح التدقيق، سيما وأن السلطة التي تمنع التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، يصعب عليها تقبل التحقيق بانهيارمالي هي حاضنة للمتورطين المحتملين به.
وهذا في الشق السياسي. أما تقنيا، فلعلّ أبرز العوائق أمام التدقيق، هو إمكانية إنهائه في غضون شهرين اثنين!


شهور من العرقلة

ووافق البرلمان اللبناني في كانون الأول 2020، على رفع السرية عن المصرف المركزي مدة عام واحد مما يمكّن شركة التدقيق في حسابات المصرف المركزي الولوج في حسابات المصرفي. وهي مدة غير كافية للانتهاء من التدقيق، لكنها دليل كاف على محاولة المنظومة الإيحاء بوجود النية لديها بالتدقيق، ليس إلا!
ومع هذا، ساهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتضييع البوصلة عبر المماطلة في اعطاء الشركة المعلومات المطلوبة حتى فقدت الأمل بالتجاوب من قبله وتقدم التحقيق، قبل أن يعود في 6 نيسان الماضي، أي قبل 6 أشهر من انتهاء مهلة القانون، وفي ظل حكومة تصريف الأعمال، ليقدم موافقته على تقديم الوثائق والمعلومات.
ومع أنه في 17 أيلول الماضي أعلن الوزير المالية يوسف الخليل توقيع عقد جديد مع شركة استشارات إعادة الهيكلة "ألفاريز آند مارسال" لإجراء التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان المركزي، لكن اشارتين سلبيتين بقيتان تطغيان على المشهد.
والإشارة الأولى هي أن العقد بين وزارة المالية وشركة ألفاريز اتصف هذه المرة بالسرية على عكس العقد الأول، والإشارة الثانية تكمن في تولي الخليل منصب وزير المالية، هو الذي كان يشغل منصب مدير العمليات الماليّة في مصرف لبنان.

صعوبة في التنفيذ... وتشكيك بالإرادة السياسية!
وفي حديث للتحري، يجري الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان مقارنة مع التدقيق الجنائي لـ3 مؤسسات عامة في الموزنبيق بمبلغ ملياري دولار، بحيث استغرق التدقيق سبعة أشهر، ليسأل "كيف الحال إذاً بالتدقيق بمئات مليارات الدولارات بحسابات مصرف لبنان في ظرف 12 أسبوعاً فقط؟، بما أن قانون رفع السرية المصرفية ينتهي في كانون الأول المقبل ما يعني أن السرية المصرفية تعود لتصبح سارية المفعول ليتوقف التدقيق تلقائياً؟".

والموضوع ليس تقنياً وحسب، فالعرقلة والمزايدة في السياسة، دفعت بتيار المستقبل للمطالبة بالتدقيق في "كل الوزارات" تزامناً مع التدقيق بحسابات المصرف، ليغمز من قناة وزارة الطاقة، في محاولة لتطيير التدقيق ككل. أما التيار الوطني الحر الذي يزايد من جهته بأنه الأكثر حرصاً على التدقيق، فيسأل أيضا عن الهدر في أموال وزارة الطاقة، وماذا هو فاعل إذا بدأ فيها التدقيق...
في الإطار، نسأل أبو سليمان عن النية السياسية لإنجاح التدقيق الجنائي، ليذكّر أنه "إذا المجلس النيابي اشترط التدقيق الجنائي بالتوازي مع التدقيق في الوزارات، فهل من المعقول أن تتم كل هذه الأمور في شهرين اثنين؟". وفي ظل شبه استحالة لإنجاز التدقيق بشكل كامل، ما يعني أن المماطلة بالشروع به هدفت لـ"ذر الرماد في العيون"، يشبّه أبو سليمان التدقيق بالبطاقة التمويلية التي أقرت في شهر أيلول، سائلاً "أين هي اليوم؟".

تضارب المصالح

وعن إمكانية وقوع تضارب للمصالح بما أن وزير المالية يوسف الخليل شغل منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان المركزي، لما للمركز من حساسيته لناحية معرقة خليل بـ"الشاردة والواردة" في مصرف يجري هو نفسه الإشراف على التدقيق فيه، لا ينكر أن "التضارب واقع بما أن وزارة المالية هي التي تدقق بالحسابات عبر عقد مع شركة ألفاريز، وهي تدقق بعمل أشخاص، واحد منهم وزير المالية الذي كان موظفا في هذا المنصب قبل توزيره".

وأبعد من كون العقد مع ألفاريز أخذ هذه المرة طابعاً سرياً، مما يثير المزيد من الشكوك حول البنود المتفق عليها سلفاً، يشير أبو سليمان إلى أن "التقرير الاولي لن تنشره وزارة المالية على العلن، الا اذا طرأ تعديل ربما".

وبعدما انهار القطاع المصرفي وانهارت الليرة بنسبة 80% ومع هذا لم تتم إقالة رياض سلامة. يأتي التدقيق في حسابات لبنان متأخراً، لكن، ما جدوى التدقيق إذا كانت الجهة نفسها التي تدقق فيه، هي التي تسعى لطمره قبل ان يبصر النور!

بحث

الأكثر قراءة