عمالة الأطفال في لبنان إلى الواجهة: تضاعف الأرقام 7 مرات... تسرب من المدارس وتداعيات نفسية خطيرة

التحري | فتات عياد | Sunday, November 28, 2021 2:54:26 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

على وقع الأزمة اللبنانية الحادّة، وجد الكثير من الأطفال أنفسهم أمام خيار واحد هو العمل، وفق تقرير نشرته منظمة اليونيسف، أشار إلى ارتفاع عدد الأسر التي أرسلت أطفالها إلى العمل من تسعة إلى 12 في المئة، وقد ازدادت نسبة الأسر اللبنانية منها نحو سبعة أضعاف. في المقابل، تروي سارة لموقعنا، فرحة ابنها ذي السبع سنوات بدخوله أحد المراكز التعليمية في الشمال، بعد أشهر على عمله في الميكانيك، كي لا "يبقى في الشارع"!

وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقريرها من أنّ مستقبل الأطفال في لبنان بات "على المحك" جراء تفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي عليهم من نقص في التغذية والرعاية الصحية وارتفاع معدل العمالة. فبيّنت الدراسة أن "53 في المئة من الأسر لديها طفل واحد على الأقل فوّت وجبة طعام في تشرين الأول، واضطرت ثلاث من عشر أسر إلى تخفيض نفقات التعليم.

وأشارت اليونيسف في تقرير لها في تموز الماضي إلى أن %15 من الأسر في لبنان توقفت عن تعليم أطفالها. وأمام التسرب المدرسي ووقوع قرابة ثلث اللبنانيين تحت خط الفقر، وجدت أسر لبنانية الحل بعمالة أطفالها، ولم تعد الغلبة في نسبة العمالة من بين الأطفال مقتصرة على اللاجئين وحسب.
إزاء هذه الإحصاءات التي تنذر بتفاقم نسبة العمالة بين الأطفال في المستقبل وحرمانهم من التعليم، ماذا عن خطورة عمالة الأطفال على صحتهم الجسدية والنفسية؟ وهل من تصد من قبل المجتمع الأهلي لهذه العمالة؟ وأين الدولة من كل هذه الأرقام؟

نتيجة متوقعة

وفي حديث للتحري، تشير أنطوانيت سعادة، مسؤولة فريق الوقاية في الشمال في جمعية "حماية"، أن نسبة عمالة الاطفال ارتفعت بشكل كبير جدا، كنتيجة متوقعة لتأزم الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد ولا سيما بعد ارتفاع حالات التسرب المدرسي.

وتشير إلى اختلاف الأعمال التي يزاولها الأطفال في لبنان باختلاف المنطقة وطبيعة الأعمال فيها، لكن اللافت أنه "حتى التسول ارتفع كذلك".

وتعطي سعادة أمثلة عن اختلاف تلك الأعمال من منطقة إلى أخرى، ففي الأرياف والقرى حيث تطغى الأعمال الزراعية، تتركز عمالة الأطفال في الزراعة والحصاد. وفي منطقة القاع مثلاً، "يعمل الأطفال في الزراعة أثناء مواسم البطاطا والزيتون وغيرهما". وأخطر ما في هذه العمالة "هي أنهم يكونون متواجدين خلال رش المبيدات وهو أمر ممنوع في القانون وله تداعيات صحية خطيرة".

وليس هذا كل شيء، فهناك أشخاص "يأتون بكاميونات ويحملون الأطفال داخلها ويجلبونهم من مخيمات بعيدة باتجاه المناطق الزراعية، مستغلين حاجة أسرهم للعمل، وكونهم أياد عاملة رخيصة".

من هنا، أطلقت حماية بالشراكة مع plan international، حملة في القاع، ركزت على الأطفال وعائلاتهم بالتعاون مع البلدية، للحد من عمالة الأطفال، من خلال التوعية ومحاولة تأمين فرص عمل للأهل، لتمكينهم وحماية أولادهم من العمل في سن مبكرة.

أما في المدن، وطرابلس تحديدا، حيث زادت عمالة الأطفال اللبنانيين والسوريين نسبة للفقر فيها، فتتركز العمالة على أعمال الميكانيك، الدهان، البناء، العمل على المحركات الكبيرة، العمل في المقاهي ليلاً والعمل على البسطات...

كما أن هناك أعمالا أشد خطورة، حيث يتجلى استغلال بعض الشبكات للطفولة ببيع المخدرات ونقلها، بما أنه "قلة ما يثير الأطفال الشك في عمليات التهريب إذ لا تطلب أوراقهم الثبوتية ولا يتم توقيفهم عند الحواجز". أخطر من ذلك فإن استغلال الأطفال يصل إلى "عمالتهم في الخدمات الجنسية كنزع ثيابهم وغيرها من الأمور الجنسية التي تطلب منهم مقابل المال". ومع أنها تلفت إلى أن هذه النسبة ضئيلة نسبة إلى أنواع أخرى من العمالة، لكن سعادة لا تنفي وجودها.

العمالة مشرعة في القانون... ولكن!

ويمنع قانون العمل اللبناني الطفل من مزاولة العمل دون سن
13 مكتملة اي 14 عاما. وتعلق سعادة بالقول "قانون العمل اللبناني يربط العمل بالعمر الإلزامي للتعليم، على اعتبار أنه في هذا العمر يكون الطفل قد أنهى المرحلة المتوسطة وتسلح بالأساسيات كالقراءة والقواعد والحساب وغيرها.
وعمل الأطفال قانوناً، دونه شروط معينة، تعدد سعادة بعضها "كالعمل 6 ساعات في النهار يتخللها ساعة استراحة، والحصول على إجازة سنوية"، كما أنه "ممنوع على الطفل أن يعمل بعد الساعة السابعة ليلاً أو يعمل باكرا جدا كأن يستيقظ عند الرابعة صباحاً".

وقانوناً، يجب أن يحصل الطفل على رخصة للعمل من وزارة الصحة بشكل مجاني، تسمح له بمزاولة أعمال خفيفة إلى متوسطة الخطورة شرط ألا تمس بنموه الجسدي والفكري.

وعلى الرغم من تنظيم عمالة الأطفال، ومنعهم من مزاولة بعض المهن كليا (كالعمل في الكسارات)، لكن برأي سعادة "حتى بعض المهن التي يسمح له بمزاولتها قانونا، قد تكون مجحفة بحقه".

حلول على مستوى المجتمع المدني

وتعمل "حماية" على عدة مستويات لمساعدة الأطفال، كأن تؤمن لهم مورداً آخر للمعيشة، وتدرب الاهل مهنيا لمساعدتهم في إيجاد عمل وتقوم بجلسات دعم لهم.

وتعمل الجمعية كذلك مع الطفل لتحسين ظروفه، وتوعيته على حماية حقوقه وتعمل مع أرباب العمل لتحسين ظروف عمل الأطفال الذين يسمح القانون لهم بالعمالة.
وإحدى الحملات التي قامت بإعادة أطفال إلى مدارسهم، بعد أن اضطروا للعمل نتيجة التسرب المدرسي، كانت بالشراكة بين حماية و relief international . في الإطار تقول سعادة "هي حملة تمتد لستة أشهر، تدفع فيها أموال للأهل بهدف عودة أبنائهم للمدرسة بعد اضطروا قسرا نتيجة الفقر لتركها والانخراط في العمل" وكذلك "تؤمن تدريبات مهنية للأهل لإيجاد فرص عمل" وتؤكد ان "الأهل التزموا بإعادة اطفالهم ونحن سنراقب ما اذا كانوا سيظلون ملتزمين بذلك بعد انتهاء الحملة وتوقف المساعدات المالية".

تداعيات نفسية وجسدية خطيرة!

وعن الآثار الجانبية لعمالة الأطفال، تلفت سعادة إلى أن "الطفل يحرم من حقوقه الأساسية في التعليم واللعب والنمو في بيئة تلائم عمره"، فهو "لا يأخذ وقتا للراحة، ما يؤثر على نموه الجسدي، وقد يكتشف مشاكل صحية في المستقبل، تماما كجيل الحرب الذي تسرب قسم منه من المدرسة، وهو يشكو اليوم من آلام في الظهر ومشاكل أخرى نتيجة حمل أمور ثقيلة والعمل في أعمال شاقة في الطفولة".

أما "العمل على آلات حادة فقد يتسبب بأضرار جسيمة، كبتر الاصابع وغيرها من الأمور الخطيرة"، إضافة إلى أن تنشق المواد الكيميائية
ما يؤثر على الرئتين ويتسبب بمشاكل رئوية".

هذا جسديا، أما نفسياً، فتلفت إلى أن "دائرة الطفل المجتمعية تصبح محصورة بأرباب العمل والزبائن عوض أترابه، ما يؤثر على ثقته بنفسه ونموه العاطفي والعلائقي مع الآخرين".

وتختم حديثها قائلة، كجمعية "نقوم بمجهود كبير لعودة أكبر عدد من الأطفال للدراسة بالتوازي مع العمل على تحسين ظروف عمل أولئك العاملين منهم".

أريد لابني أن يقرأ اسمه!

بدورها، تقول سارة (اسم مستعار) بأنها أرسلت ابنها ذو السبعة سنوات "ليتعلم مصلحة" مخافة أن "يفلت في الشارع"، هو المحروم من التعلم في المدرسة لأن لا قدرة لديها على تحصيل هوية له ولإخوته "وبما أن القصة قديمة فهي تتطلب حوالي 7 ملايين ليرة وفق ما يطلبه مني مخاتير المنطقة ولا قدرة لي على دفع مبالغ طائلة في ظروف اقتصادية صعبة كالتي نمر بها".

في المقابل، فرحة هي سارة اليوم بعد أن تبنى أحد مراكز المنطقة تعليم أولادها. وتقول "في أسبوع واحد بدأوا يكتبون الأرقام واحد واثنان وثلاثة". وتضيف "أريد لهم أن يتمكنوا على الأقل من قراءة أسمائهم!".

وسارة اليوم غير قادرة على شراء حقيبة مدرسية "عم ينق ابني لاشتريها واشتريلو دفاتر بس غاليين كتير" تقول، مضيفة "حق الشنطة 100 ألف ليرة".

الدولة غائبة... أطفال لبنان نحو الأمية!

على الهامش، لبعض الجمعيات النسوية في لبنان نظرة تربط بين التزويج المبكر للمرأة وعمالة الأطفال، على اعتبار أنّ تزويج المرأة يحرمها العلم والعمل ويزيد من فقر الاسرة وجهلها.

وأظهرت الدراسة التي أجرتها منظمة اليونيسف على مدى ستة أشهر أن "مئات آلاف الأطفال في لبنان معرضون للخطر"، متحدثة عن "تراجع دراماتيكي في أسلوب عيش الأطفال اللبنانيين" وأورد تقرير المنظمة أن "مستقبل جيل كامل من الأطفال في لبنان على المحك".

وقالت ممثلة يونيسف في لبنان يوكي موكو "يُفترض أن يشكّل حجم الأزمة وعمقها جرس إنذار للجميع ليستفيقوا الآن"، مضيفة "هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات عاجلة لضمان عدم تضوّر أيّ طفل جوعاً أو إصابته بالمرض أو اضطراره للعمل بدل تلقّيه التعليم".

في المقابل، لا الدولة سائلة عن مصير أطفالها، فحتى الذين يتعلمون في التعليم الرسمي منهم، وأكثرهم من الفقراء، يتكبد أهلهم دفع نفقات المواصلات التي رفع عنها الدعم لإيصال أولادهم للمدرسة، ولا قدرة لغالبيتهم على دفعها، ما يهدد هؤلاء الأطفال، بحرمانهم من التعليم!
والدولة اللبنانية غير مبالية لا بكبارها ولا صغارها. فيما مصير الأجيال القادمة يكتبه تاريخ اليوم، وهو تاريخ يكتب بالجوع والإفلاس وعجز الدولة. والخوف كل الخوف، ألاّ يجد هذا التاريخ أجيالاً تجيد قراءته، تماماً كما الأجيال اللبنانية التي لم تتعلم من تاريخها، فأتت بمن يعيدها إلى العصر الحجري، ويطيح بمستقبل أبنائها!

بحث

الأكثر قراءة