"العلمانية ليست إلحاداً".. النادي العلماني في طرابلس: التوعية في صلب مهامنا!

قوى تغييرية | فتات عياد | Thursday, December 9, 2021 10:50:53 PM
فتات عياد


تفاجئ عاصمة الشمال مدينة طرابلس اللبنانيين منذ انتفاضة 17 تشرين عام 2019 وإلى يومنا هذا. فهي من ثورة إلى "ثورة" لا تكنّ ولا تهدأ: سياسياً ضد المنظومة التي ظلمتها، واجتماعياً ضد الظلم الذي تجلى في ثورة طلابها أخيراً على الذكورية، لتُسقِط مدينة الفيحاء عقوداً من التنميط الذي أرساه الإعلام اللبناني مصوّراً إياها على أنها ذات لون سياسي واحد، متشددة دينياً، ترفض التعددية، وأبعد ما يكون عن العلمانية ومبادئها. فيما التجربة الثورية الطرابلسية أثبتت عكس ذلك، وها هو النادي العلماني في طرابلس يكمل مسيرة "الوضوح" في معركة أبناء المدينة ضد النظام الطائفي والمنظومة الحاكمة!

وظُلمت طرابلس مرتين. مرة حين هُمِّشت وأُفقِرت وأقصيت عن بقية المناطق اللبنانية. ومرة حين وصمت بـ"الإرهاب" للتغطية على ما فعله بها غياب الدولة الممنهج عنها. لكنّ أبناء المدينة في كل استحقاق يثبتون حاجتهم، وإنشادهم، كغيرهم من اللبنانيين لـ"دولة"، تؤمن لهم حقوقهم، وتستجيب لصرخاتهم المطلبية، عوض أن تستدعيهم محاكمها البوليسية!

والنادي العلماني في طرابلس إذ يتفرع من شبكة مدى التي باتت تضم حتى اليوم 6 نواد في المناطق، تشبّك مع 12 ناد في الجامعات والتجمع العلماني للهندسة. هو بمثابة تجربة تؤسس لترجمة أفكار أبناء المدينة الثائرين ضد النظام الطائفي من جهة، وتتيح لهم التشبيك مع بقية شباب المناطق اللبنانية من جهة أخرى، وصولاً لتشكيل ضغط علماني عابر للمناطق باتجاه دولة علمانية...

في السياق، ما هي ظروف إنشاء العلماني في طرابلس؟ ماذا عن أولوياته، وما هي أبرز مهامه التي سيعمل عليها؟

الإعلام إذ ظلم المدينة!

"العلمانية في طرابلس ليست حديثة العهد"، يقول الناشط الطرابلسي طارق حامد، وأحد الأعضاء المؤسسين لـ"النادي العلماني في طرابلس". ومع هذا، لا ينكر أنه "ترددنا منذ عام في تأسيس ناد علماني نتيجة خوفنا من الفشل في مجتمع محافظ، وبجزء منه لديه أفكار مغلوطة عن العلمانية". لكننا اليوم أسسنا النادي "بثقة تامة وبقلب قوي"، بعدما "لمسنا أن الكثيرين في طرابلس يطمحون للدولة العلمانية كبديل عن النظام الحالي".

ومن ينظر لطرابلس من خارجها، سيأخذ عنها الفكرة التي زرعها الاعلام في رأسه"، يقول حامد، مضيفاً "وقد يعتقد أنها ترفض وجود نواد علمانية فيها، لكننا نحن أبناء هذه البيئة على احتكاك مباشر بشرائحها الاجتماعية، ندرك حقيقة التنوع فيها، وهامش الاختلاف في الآراء والحرية، عدا عن أن لثورة تشرين فضل في بلورة هذه الصورة، البعيدة كلياً عن الصورة النمطية للمدينة".

وحتى المحكمة العسكرية التي تستدعي مدنيين أحياناً، "تستسهل" اتهامهم بالإرهاب عندما يكونون من أبناء الشمال، كتكملة للصورة النمطية الذي زرعها الإعلام. وقرب طرابلس من سوريا وحربها، ودخول أو وجود خلايا إرهابية في المدينة الشمالية، مولت خارجياً أو شحنت بأفكار متطرفة داخلية، لا يعني بأي شكل من الاشكال أن مئات الألاف من أبناء طرابلس هم "إرهابيون"، أو "مشاريع إرهاب"، بل أن تعميم هكذا صورة، إرهاب "معنوي" بحق المدينة وأهلها!

وحامد نفسه كان من الذين استدعتهم المحكمة العسكرية، حيث حضر جلسة منذ أيام، ونال "البراءة" من تهمة "معاملة قوى الأمن بشدة"، فيما تمحور إيقافه حول مشاركاته في الثورة في بدايتها.

في الإطار، نسأله عن الأذى الذي سبّبته الصورة التي سوّق لها الإعلام عن طرابلس"، ليقول "هي صورة غير دقيقة البتّة". ومواجهة "الإعلام أي السلطة الرابعة هو هدف أساسي لنا، فالإعلام بجزء كبير منه يخدم المنظومة ويروج لأفكارها ويمنع التغيير ويخيف اللبنانيين منه ومن بعضهم البعض في سبيل الإبقاء على المنظومة الحالية".

وطرابلس ليست مدينة ذات حكم ديني. ولا أهلها جميعهم ينتمون لمعتقد ديني واحد، ولا جميعهم يمتلكون الأفكار ذاتها. فهناك حرية معتقد، وهناك أحياء متباعدة بأنماط عيشها، وهي متلاصقة وتعيش بسلام في جوار بعضها ولا أحد يتعدى على حريتها، يضيف حامد.

طرابلس "بتحمل" العلمانية!

"طرابلس بتحمل يكون فيه نادي علماني، وبتحمل كتير"، يقول حامد. وهذا ما عرفناه من توجهنا كشباب وشابات في المدينة ووعينا حول العلمانية والنظام العلماني كبديل عن نظامنا الطائفي المهترئ، وهذا ما قالته لنا استطلاعاتنا في المدينة واحتكاكنا مع أهلها.

ووسط هذه الصورة الإيجابية، لا ينكر حامد أنّ كلمة علمانيّة "بتنقّز المجتمع الطرابلسي بجزء كبير منه"، مع مفارقة بالغة الأهمية هي أنّ "الكثيرين يشاركوننا أفكارنا دون علم منهم بأنها تندرج تحت تسمية العلمانية". فيما يزيد من ضياعهم في المفاهيم "اعتقادهم الخاطئ أن العلمانية تعني الإلحاد، فيما هي مبادئ سياسية اجتماعية تهدف لنظام علماني يكون بديلا عن النظام الطائفي الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من استزلامية وفساد وانهيار على كافة الأصعدة وغياب أي نية للإنقاذ".

والعلمانية تعطي الحرية لكل الناس بممارسة عقائدها وشعائرها الدينية وتحمي حقهم بذلك. وهي في المقابل تنطلق من مبادئ إنسانية غيّبها النظام الطائفي الذي أرسى الزبائنية والمحسوبية والانتماء الطائفي على حساب الكفاءة والمواطنة. ودورنا في النادي، طمأنة أهالي طرابلس إلى جوهر العلمانية، وضرورة تكريسها كنظام بديل عن النظام الحالي، لضمان "مواطنة" فاعلة، والتخلص من منظومة فاشلة.

التوعية والتشبيك... والرؤية للمستقبل

"وبما أن جزءاً كبيراً من الطرابلسيين يتوقون للتخلص من النظام الطائفي، فإن "التوعية" حول ماهية العلمانية وتوسع الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين الشباب الطرابلسي مع ما تقتضيه دقة المرحلة الانتقالية التي يمر بها لبنان، تجعلنا كناد علماني في صلب معركة نشر هذا الوعي والعمل عليه عبر ندوات مفتوحة وحوارات ونقاشات تعزز انخراط شباب المدينة بالعمل السياسي وبناء المستقبل"، يقول حامد.

فالإجابة على سؤال "لماذا نريد نظاما علمانيا؟" هي بالغة الأهمية، فنحن نرى الدولة العلمانية قادرة على إنقاذ بلادنا من الانهيار والارتهان الذي كرسه النظام الطائفي وأرسته المنظومة.

والنظام الطائفي جعل طرابلس "مبعدة" عن بقية المناطق بحكم تهميشها وإفقارها. وجعل أهلها "مبعدين" عن حقوقهم. هنا يلفت حامد إلى أن "هذا النظام الطائفي خلق مناطقية وفروقات اجتماعية حادة، لا سيما في طرابلس وهي أفقر مدينة على البحر المتوسط"، وكناد علماني "فإن حماية الفئات المهمشة تقع في صلب أولوياتنا".

وعن أهمية التشبيك بين النوادي العلمانية في المناطق والجامعات والذي أمنته شبكة مدى وأدّى لتوسع النوادي العلمانية، يشدد على أن "هذا التشابك وجعلنا كشباب من مناطق ونواد مختلفة على نفس المستوى، رفع نسبة الوعي والحماس لدينا". متفائلاً بمستقبل هذا التشببك الذي "سيوصلنا لحالة تأثيرية كبيرة جداً في البلد في الأيام المقبلة" سيما وأنّ "هدفنا واحد، وهو نظام بديل بوعي سياسي نابع من فئة الشباب وهم مستقبل لبنان، عبر بنظام علماني تغييري ينطلق من صلب أفكارهم، ويلبي طموحاتهم وحاجتهم لدولة تضمهم إليها، ودوماً وفق صون الحريات والعدالة والمواطنة".

ولعلّ "ثورة" شباب وشابات طرابلس على أستاذ متحرش، وهي إذ تخطت في بُعدها الوقوف إلى جانب المظلوم حدّ إزكاء الخطاب النسوي في المدينة، ما هي إلا إشارة بسيطة إلى أنّ هذه المدينة تنبض بالأفكار التقدمية، السياسي منها والاجتماعي. وكل مجتمع تصيبه رياح الثورة والتقدم، من الصعب أن يعود إلى الوراء، تماما كما لا تعود للوراء عقارب الساعة!

بحث

الأكثر قراءة