مُدان بتهمة "الحُب" أمام القضاء العسكري: حُكم بالسجن على ابن شبعا لزواجه من فلسطينية من الأراضي المحتلة في 1948 مُكرهة على حمل الجنسية "الاسرائيلية"!

التحري | مريم مجدولين اللحام | Wednesday, December 22, 2021 8:12:46 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

هي قصة حُبّ بين عربيّ وعربيّة، لا صهيونيّة، بل ابنة الأرض المُحتلّة حلا رزق التي تحمل قسرياً أوراق رسمية من اسرائيل فُرِضت على شعبها بأكمله. هي قصة عشق، ثم خطوبة ثم زواج في ألمانيا كان يمكن أن ينتج عنه طفل أو طفلة، الماني\ة الولادة يجمع بين الجنسيتين اللبنانية والاسرائيلية وفقاً لقوانين الجنسية في معضلة نادرة الحدوث، أسر والده في وطنه بلاد الأرز، لأنه ارتبط بأمّه.

وذلك بعد أن ارتأى رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة أن القانون يُصنّف محمد يوسف بنّوت ابن شبعا المقاومة والمحتلّة "مُطبعاً للعلاقات مع العدو"، وقرر سجنه في "رومية" مدة عام بقرار اتخذه من نفس المحكمة التي برّأت العميل الاسرائيلي، "سفاح الخيام"، عامر الفاخوري لا بل ولمدة زمنية تفوق احتجاز حرية العميل قيد التحقيق! فهل عرب 48، عرب النكبة هم صهاينة أعداء بنظر القانون اللبناني؟! جدليّة-انسانية-سياسية لا بد من التوقف عندها اليوم.

ومن الحُبِّ ما سجن!

حلا، لا تعرف العبرية، تتكلم لغتها العربية-بلهجتها الفلسطينية الأم، وضعها كوضع النساء الفلسطينيّات ذوات المواطنة الإسرائيليّة، حيث تتجنّب غالبيّتهنّ أيّ تماس مع المنظّمة القانونيّة الإسرائيليّة فكيف إذا كانت قد ولدت في المانيا وترعرعت فيها ولم تطالب بجنسيتها الألمانية لرفض والدها تنازل أي من أفراد عائلته عن أوراقهم الثبوتية كفلسطينيي الداخل كي لا تسارع السلطات الاسرائيلية إلى تجريدهم من ممتلكاتهم في فلسطين.

يشدد ابن عمه ماجد بنوت في حديثه لـ"التحري" أن محمد لم يطأ أرض فلسطين المحتلّة وأنه لم يظن ولا للحظة أنه سيتم اتهامه بالتطبيع أو غيره من التهم المشينة التي هو بريء منها، كون حلا من فلسطينيي الداخل المنددة بسياسات الاحتلال، ومن المجتمع العربي لا الصهيوني "لا سمح الله" على حد تعبيره.

ويتابع، "أما الذي لا أفهمه لماذا هذه الاستنسابية بالسماح لنواب في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة وواصل طه وجمال زحالقة زيارة بيروت ولقاء مسؤولين لبنانيين واعتبارهم فعلياً كما هم فعلا،"عرب لا صهاينة" في حين أن زواج محمد من حلا العربية أيضا، تم تصنيفه كعقد تطبيعي مع عدو؟!"

تعرّف الحبيبان في ألمانيا، حيث يعيشان ويعملان، وتزوّجا في شهر يونيو من العام الماضي، ليتم احتجازه بعدها في لبنان قيد التحقيق ويُبرأ من جرم التعامل مع اسرائيل بعد أن كشف الفرع الفني لدى شعبة المعلومات على هاتفه من دون أن يعثر، على أي تعامل مع الإسرائيليين، ولا أي علاقة مع الكيان المحتل، إنما يربطه عقد زواج رسمي بفلسطينية إسرائيلية الجواز والأوراق وعليه اعتبر القاضي، رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة، صاحب الحُكم، أن هذا العقد تطبيعاً مع العدو!

نعم، اعتُبر عقد الزواج تطبيعاً استناداً إلى المادة الأولى من قانون مقاطعة إسرائيل (الصادر سنة 1955) معطوفة على المادة السابعة منه، حيث تنص المادة الأولى على أنه "يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة (((اتفاقا))) مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو (((أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته))). وتعتبر الشركات والمؤسسات الوطنية والاجنبية التي لها مصانع أو فروع تجميع أو توكيلات عامة في اسرائيل في حكم الهيئات و(((الاشخاص المحظور التعامل معهم))) طبقا للفقرة السابقة حسبما يقرره مجلس الوزراء بقرار ينشر في الجريدة الرسمية".

أما المادة السابعة، فتنص على أنه "يعاقب كل من يخالف أحكام المادتين الأولى والثانية بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى عشر سنوات وبغرامة من خمسة آلاف ليرة إلى أربعين ألف ليرة لبنانية، ويمكن أن يحكم عليه أيضا بالمنع من مزاولة العمل وفقا للمادة 94 من قانون العقوبات".

وهنا، تم اعتبار الزوجة، من الأشخاص المحظور التعامل معهم، وأن عقد الزواج لمماثل لأي عقد تجاري، وبالتالي هو تطبيع مع الصهاينة...!

وقد غاب عن قرار القاضي العسكري، رحمة السلطة التقديرية التي يملكها. فظُلمت حلا مرّتين، مرة في خسارتها لهويتها الفلسطينية، ومرة أخرى في اعتبارها لبنانياً أنها "اسرائيلية" منبوذة لبنانياً، وتطبيعٌ هو الزواج منها، هي التي لا تمثل اسرائيل، بل... تمثل "الصامدين" في أرضهم.

وعليه، هناك فرق بين التعامل مع النص القانوني بحرفيّته ومساحة تطبيقه لاختلاف مسار الملف بين "واقعة الزواج من اسرائيلية الأوراق" وواقع أنها من فلسطينيي النكبة، وبين النص القانوني المجرّد من روحه الجوهرية. إذ أن هناك تباعد كبير بين المواد والجوهر الحقيقي الذي أُنشئ قانون "المقاطعة" من أجله.

زواج محمد من حلا هو واقعة استثنائية ولا شك في كونها خلافيّة بناء على المعطيات، تجعل تطبيق النص القانوني دون اجتهاد مجافياً للعدالة، فالعبارات التي استند عليها الحكم، والتي صاغ المُشرّع بها نصّ "علاقات التطبيع" لا دخل لها في سياق ملف زواج محمد من حلا، لا بل إن التقيد بحرفيتها يناقض أهدافاً واضحة مشروعة سعى إليها المشرع.

في بلد يشرّع الأبواب أمام زواج القاصرات، ويعاقب من يتزوج من عرب الـ48... طفلة، لمحمد من زواج سابق، احتفلت بعيد ميلاده وهو في السجن، لا ذنب لها ولا لوالدها إلا أنه أحبّ فأُدين.

بحث

الأكثر قراءة