رئيس بلدية المطيلب يزكّي منطق الفيدرالية والمناطقية: شعارات مطلبية ومناشير شباب "ممفد" تزعج المنظومة

قوى تغييرية | فتات عياد | Thursday, December 23, 2021 10:56:11 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

يبدو أنه في بلد تتحكم فيه عقليات طائفية ومناطقية في مواقع "المسؤولية"، سيكون لِزاماً على اللبنانيين أن يقطعوا "تذاكر مرور" من بلدة لبلدة ليتاح لهم حق التجول وممارسة حقهم السياسي بتوزيع المناشير فيها. إذ يبدو أن متظاهراً ينادي بضمان صحي في بلدية المطيلب يختلف عن متظاهر ينادي به مثلاً في بيروت أو الشوف، ولو أن الحاجة للضمان واحدة. وهذا المنطق "الأعوج" أرساه رئيس بلدية المطيلب الذي أمر برمي أعضاء من حركة "مواطنون ومواطنات" خارج البلدة لأنهم "متسلقون" برأيه، وهو منطق وصفه آلان علم الدين في حديث للتحري، وهو أحد الشبان الذين أبرحوا ضرباً على يد عناصر من البلدية بـ"محاولة لفرض الأمن الذاتي".

وهو بطبيعة الحال واقع يعيد إلى اللبنانيين عقارب الساعة إلى متاريس الحرب الأهلية التي حذر منها قائد الجيش أمس، قائلاً أن "الفتنة على مسافة خطوات" وتجربة الحرب "لن نسمح بتكرارها".
لكن يبدو أن فرض الجيش اللبناني سلطته أمر لا يكفي وحده لعدم تكرار تلك التجربة. طالما أن أصحاب الفتن يشغلون مناصب رسمية ولا محاسبة "رسمية" لهم! وما تعرّض عناصر من بلدية المطيلب بالضرب لأعضاء من "مواطنون ومواطنات في دولة" أمس، إثر توزيعهم مناشير على أهالي المنطقة، واتهامهم بـ"التعدي على "مناطقنا"، إلا نموذج عن إيقاظ "فتن" من نوع "مناطقكم" و"مناطقنا". فتنٌ، لعن الله من أيقظها!

رئيس البلدية... شخصياً!

بدوره، فنّد عضو "مواطنون ومواطنات في دولة"، آلان علم الدين في حديث للتحري، تفاصيل الحادثة. إذ "تعرض لنا ثلاثة أشخاص بالمسبات والشتائم وصولاً للتهديد حتى بدأوا فعلياً بضربنا"، لافتاً إلى أن الدوافع سياسية "وهو ما تجلى بالهجوم على يافطة مكتوب عليها اسم مجموعتنا، ومحاولة تكسيرها".

و"من الواضح أنه كانت لديهم أوامر مباشرة من أعلى هرم في البلدية لضربنا"، يقول علم الدين، إذ "لم يصدر منا أي شيء يدعو لتعاملهم العنفي معنا، بل على العكس كنا منضبطين لأقصى الحدود وضُربنا ولم نضرِب ولو أن الدفاع عن النفس حق".
وبعد جولة ضرب الشبان، قال عناصر البلدية لهم ما حرفيته "الريس بول شديد مانعكن بمنطقتنا توزعوا مناشير". لينتزعوا بعدها هاتف علم الدين بالقوّة، ويتقدّم بدوره بشكوى سرقة أمام مخفر أنطلياس ويسترد هاتفه تحت الضغط على رئيس البلدية، رافضاً "عزيمته" بـ"شرب فنجان قهوة سوا". لكن شديد الذي فجأة بات خبيراً بـ"حسن الضيافة"، يبدو أنه خبير كذلك باختراق هواتف "ضيوف" البلدة، وهو ما تجلى بمحو الفيديوهات التي تدين عناصر بلديته عن هاتف علم الدين، قبل أن تتم إعادته إليه.

وكجزء من حملة "وين صندوقك" التي اطلقتها مجموعة مواطنون ومواطنات، وزعت مناشيراً في المطيلب -كبلدة لبنانية- بهدف المطالبة بتغطية طبية للبنانيين على حساب "المصارف التي سرقتنا في ظل الوضع الصحي الخطير الذي يعاني منه اللبنانيون اليوم".
في السياق، يستغرب علم الدين انزعاج شديد من فحوى المناشير التي تحمّل المصارف جزءا من مسؤولية الانهيار اللبناني سائلاً إياه "حتى إذا كنت مع يللي سرقونا ما بيحقلك تستغل منصبك كرئيس بلدية وتبعت شباب يمنعونا نفوت عالمطيلب".

مخطط زعماء الطوائف

في المقابل، يرى بأن خطورة ما حصل في المطيلب تكمن بأن "زعماء الطوائف يقسمون المجتمع طائفيا ومناطقيا ووصلت بهم الأمور ليصوروا توزيع مناشير على أنه اعتداء على منطقة لبنانية بهدف تجييش اللبنانيين ضد بعضهم وفق قاعدة "نحن" ضد "هني".

وينوه إلى خطورة "شد العصب الطائفي والمناطقي واستخدامه كسلاح ضد حقوق الناس". فعندما نقول أنه "يحق لنا بطبابة مجانية على حساب الذين سرقونا من السياسيين وحلفائهم المصرفيين، فهذه حقوق جامعة للبنانيين كل اللبنانيين وليست فئوية ولا مناطقية".
ويتابع "هناك فئات مصالح في المجتمع اللبناني تأذت من فئات مصالح أخرى، والحديث عن تغطية صحية على حساب الذين تسببوا بانهيارنا يحوّل الانقسام الطائفي والمناطقي لصراع بين فئات تضررت مصالحها في المجتمع، وفئات مصالح تسببت بتضررها وهذا هو الصراع المنتج العابر للمناطق والطوائف الذي تخشاه المنظومة، على عكس الصراع المناطقي غير المجدي الذي يحميها من المحاسبة.

بيان رئيس البلدية

وكعذر أقبح من ذنب، أصدر رئيس البلدية بول شديد بياناً برر فيه الاعتداء وفق منطق "منطقتنا"، في حادثة من شأنها أن تعمم في المناطق اللبنانية لمزيد من "الفدرلة" إن لم تتم إدانتها ومحاسبة شديد -في دولة اضمحلت فيها ثقافة المحاسبة- سيما وأنّ البلاد على أبواب انقجار الاجتماعي، وانتخابات تراجعت فيها حظوظ الأحزاب جميعها، ما قد يدفعها لاستدراج المزيد من الفتن ومنطق الفدراليات، "شحذاً" لشعبيتها.

وصدر عن شديد بيان قال فيه أنه: "تفاجأنا يوم الأربعاء بشبابٍ من خارج المنطقة ومن خارج المتن يتظاهرون في المنطقة حاملين شعاراتٍ مطلبيّة"، و"لمّا طالبهم عناصر من شرطة البلديّة بعدم التظاهر، خصوصاً أنّهم لا يملكون ترخيصاً ويلحقون ضرراً كبيراً بالمؤسسات التجاريّة ويعرقلون السير، قبل يومين من عيد الميلاد، رفضوا الانصياع لمطلب العناصر وتساجلوا معهم محاولين إثارة إشكال". طامساً حقيقة تعدي عناصره على الشبان.
هذا وأكّدت البلديّة أنّها "ترفض تحويل المنطقة وأهلها الى ضحيّة المتسلّقين بحثاً عن مقعد نيابي في المتن، وهم من خارجه". فهل يعني هذا الكلام مثلاً أن لا عمل سياسياً لأحزاب عابرة للمناطق في لبنان، وأن لكل منطقة "أحزابها"؟!
وإذ رأت البلدية أن أولويّتنا هي "مصلحة منطقتنا وأهلها والمقيمين فيها، ولن يردعنا عن تحقيق ذلك الغوغائيّون الذين اتّضحت هويّاتهم من خلال تغريداتٍ تظهر انتماءاتهم وأهدافهم وما وراء توقيت تحرّكهم". فمن قال للبلدية مثلاً أن تملي على أهالي المطيلب ما يريدونه في السياسة، وما لا يريدون؟!

إزدواجية المعايير

أسئلة عدة تطرح أمام حادثة بهذه الخطورة، فهي تذكّر بمنع سيدة من ارتداء لباس سباحة في بلدة جنوبية، وهناك اليوم من يمنع لبنانيين من التجول وممارسة العمل السياسي ويحتكرون منطقة "المتن" بأحزابهم.
وهو نموذج صارخ عن فدرلة للدولة تتكشف يوماً بعد يوم، وهو ما بدأ التحضير له منذ أن تم التضييق على اللاجئين السوريين في بعض المناطق عبر تحديد ساعات محددة لولوجهم وخروجهم من المنازل، وهو ما امتد اليوم على اللبنانيين من غير قاطني المتن، الذين يُمنعون من ممارسة حقهم السياسي، من بلطجية محسوبين على رئيس بلدية!

لكن الجدير ذكره هنا، هو أنّ شديد نفسه سبق أن أعلن "رفضه الحازم لإنشاء فاصل إسمنتي بطول حوالى ٥ كيلومتر بين منطقتي انطلياس ومزرعة يشوع، مروراً بمنطقة المطيلب"، لأنّ الفاصل "لم يراعِ الحركة التجاريّة في المنطقة وسيُلحق ضرراً كبيراً بها، في ظلّ ظروفٍ اقتصاديّة صعبة جدّاً".

إذاً، عندما تنافت مصلحة البلدة الاقتصادية مع فصلها عن جوارها، كان شديد ضد منطق الفدرلة لكن، وعندما تنافت مصلحة الحزب الذي يؤيده، ومنطق الزعامة الذي ينشده في منصبه، والمناطقية التي أرساها في تعامله مع زوار البلدة، كشّر شديد عن أنياب فدراليته، وغاب عنه أن المطليب لأهلها، وليس ملك حزب أو رئيس بلدية، وهي منطقة لا تتجزأ عن بقية المناطق اللبنانية!

أبعد من ذلك، لا بدّ أيضاً من ذكر حديث صحافي لشديد، قال فيه سابقاً "عندما أرى أن طاقتي الانتاجية تستطيع العمل خارج المطيلب فلن أقصر بأداء هذه المهمة".
فلماذا إذاً يحق لشديد أن "ينشر" طاقته "الإنتاجية" خارج المطيلب، فيما يتعامل مع اللبنانيين الذين يدخلونها على أنهم "غرباء"، و"ما غريب إلا الشيطان" والأفكار الطائفية الشيطانية التي لا تؤدي إلا إلى نهايات تشبه "بوسطة عين الرمانة" واللبنانيون منها "قلوبن مليانة" وبالكاد يعتاشون مع حرب الفقر التي أرستها المنظومة الحاكمة!

بحث

الأكثر قراءة