الخطاب القنبلة: "أني... لأ ما أني"

انتخابات ٢٠٢٢ | مريم مجدولين اللحام | Tuesday, December 28, 2021 12:54:39 AM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري
الرسم التعبيري بريشة الفنان وليد شهاب

فوجئ قسم كبير من اللبنانيين بخطاب لرئيس جمهورية يتحدث لغتهم، يدعى العماد ميشال عون، الذي قفز من مرحلة "اللي مش معاجبه يهاجر" إلى مرحلة "طرحت حلولاً، ولكن أهل المنظومة رفضوا أن يتخلّوا عن أي مكسب، ولم يحسبوا أي حساب للناس"... رئيس لم يُعطّل البلد كي يصل إلى سدة الرئاسة... رئيس بعيد عن المكاسب... رئيس يمد يد العون إلى من تبقى من اللبنانيين واللبنانيات ضمن حدود الوطن "مجبر أخاك لا بطل"... رئيس مع منطق الحياد يطمح لعلاقات فاضلة مع الخليج العربي، ولا يتدخل في شؤون إقليمية "لا تعنينا"... الأمر الذي شكل لهم صدمة حقيقية، على إثر عاصفة الإصلاحات المطروحة ضمن هذا الخطاب والتي انطلقت ضمن عناوين برّاقة أعلن عنها، عبر مقطع فيديو، تبرأ فيه من المنظومة الحاكمة التعطيلية.

مضحياً بجماهيريته المبنية على شعار "حقوق المسيحيين" و"الرئيس المسيحي القوي" مقرراً في أوج شهرته اعتزال الطائفية السياسية، والمبادرة "كما يقتضي الانتقال الى دولة مدنية، ونظام جديد ركيزته الأساسية اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة". تخبط، وتناقض ذكّر البعض بشخصية "فريد الريّس" المشهورة بعبارة "أني.... لأ ما أني"!

اشتعلت المواقع الإلكترونية، وانهمرت التعليقات بين مبارك "وطني حر" لخطوة الرئيس الطوباوية ورؤيته التغييرية قبل 10 أشهر فقط من انتهاء العهد... وآخر مندّد بموقفه الذي اعتبره أنه أضعف من أن يكون "قنبلة" أو "تسمية للأمور بمسمّياتها" بالرغم من أنه ينطوي على إساءة مباشرة لحليفه في الحكم حزب الله ضمن جملة رسائل واتهامات بالتعطيل وزج الدولة بنزاعات خارجية لا دخل لها بها، من دون أن يسمّيه.

يقتضي إيجاد الحلول الناجعة حُسن تشخيص الأزمات، وهنا كشف الرئيس الحاكم أنه "لقد أصبح شلّ المؤسسات نهجاً قائماً بذاته ونتيجته خراب الدولة"، طبعاً، إن الرئيس القائد، لم ولن يستخدم التعطيل نهجاً لتحقيق المآرب والمصالح الشخصية، وطبعاً هذا الشلل لا يضم لا حراس الأحراج لسبب طائفي ولا التشكيلات القضائية لسبب محاصصاتي ولا تعيين مراقبين جويين في المطار لغاية في نفس يعقوب. التوقيع عند الرئيس "شربة ميّ" ... المرفق العام والاهتمام بسيرورته في أولوية العهد طبعاً. أما "لعيون الصهر" وغيره، لم يحدث طبعاً إذ شدد اليوم "أن المراوحة قاتلة" وأنه لن يقبل أن يكون شاهداً على سقوط الدولة واختناق الناس... "الدولة تعني القانون والاستقرار في الوقت نفسه، ولا يجوز لاحد ان يخيّر اللبنانيين بين أحد الامرين.".... "أني... لأ ما أني"

صحيح أن الاحتقان الاجتماعي ما زال قائماً، وهو الذي كشف فشل النخبة السياسية التي تداولت على السلطة قبل وصول الرئيس العماد الذي أكَّد في البلد "يقتضي أولاً إجراء المحاسبة، عبر تحديد المسؤولية عن الانهيار" الذي يشهده لبنان. إلا أن الشعب للأسف تجرّأ وراء شعار محاسبة الجميع "كلن يعني كلن"... ظلم كبير يناله العهد المميز في نجاحاته. للأسف هناك من يستهدف الرئيس منذ ما قبل الـ1990 حتى الساعة. والفساد محصور في حقبة ما قبل الـ2005. بعد الـ2005، عهود عز وعمران وتقدم وإصلاح وتغيير.

لا بل "من السهل جداً انتقاد رئيس الجمهورية، واطلاق النار عليه كل يوم واستهداف موقع الرئاسة والانتقاص من صلاحياتها في مجلس النواب، كما حصل اخيراً بالنسبة الى المادة 57 من الدستور، وصدور أصوات تحمّله المسؤولية بشكل يومي، علماً ان صلاحياته محدودة جداً الى درجة انه غير قادر على إلزام مجلس الوزراء على الانعقاد." انما الصعب، الصعب هو أن الصلاحيات المحدودة جداً هذه، قاتل الرئيس من أجل الحصول عليها.... "أني... لأ ما أني"

ولرئيس البرلمان نبيه بري، حصة الأسد من الخطاب الاتهامي، سواء على صعيد ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، وتعطيله والحزب مجلس الوزراء حتى إبعاد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، أو على صعيد مجلس النواب الذي اتهمه بعرقلة الملفات والتأخر بإنجاز القوانين الإصلاحية.
وهنا يسأل مراقبون من هو الغطاء المسيحي لحزب السلاح وتوأمه بثنائيته الشيعية المعطلة يا ترى.... "أني... لأ ما أني"!

أما المثير للدهشة هو دخول الخطاب في حمّى الصراع مع الحليف والتصعيد الإبتزازي وغلبة بداية تغيير التحالفات قبيل الانتخابات إلى حد تبرير الانقلاب على "ثلاثية شعب جيش مقاومة"، بل والدعوة إلى "التلويح بالاستراتيجية الدفاعية" صراحةً على طريقة "كف وبوسة" إذ قال الرئيس "صحيح أن الدفاع عن الوطن يتطلب تعاوناً بين الجيش والشعب والمقاومة، لكن المسؤولية الأساسية هي للدولة. وحدها الدولة تضع الاستراتيجية الدفاعية وتسهر على تنفيذها. وتساءل عون عن مبرّر "توتير العلاقات" بين لبنان والدول العربية، وتحديداً دول الخليج، والتدخل في "شؤونٍ لا تعنينا"... أما من غض البصر عن السلاح وفاتورته... فلا لوم على فريق محدد... بادل الحكم بشرعنة الميليشيا... "أني... لأ ما أني"!

خطاب جديد حظيت تفاصيله بالجدل، أمل منه الرئيس إنصافاً... والشعب منصف في الانتخابات القادمة.
الشعب الناخب الذي أهداه أكبر كتلة نيابية ثم ندم فهل يعيد الكرة؟: "أني... لأ ما أني"!

بحث

الأكثر قراءة