جديد أزمة بطاقات التشريج: تخزين "حزم" الدولارات إلى حين "رفع التعرفة"!

التحري | فتات عياد | Wednesday, January 12, 2022 9:04:07 PM
فتات عياد


يعيش قطاع الاتصالات في لبنان أسوأ أزماته على الإطلاق، ويبدو أننا في نمرّ تحديداً في مرحلة "العدّ العكسيّ" قبل رفع تعرفة خدمات شركتي ألفا وتاتش، ريثما يتم وضع تسعيرة جديدة لـ"دولار" الاتصالات. وفي "الوقت الضائع" تستمر الشركتان بتسليم بطاقات التشريج للوكلاء المعتمدين بالسعر الرسمي أي 1500 ليرة. ومع هذا، يبيع أصحاب محال الهواتف تلك البطاقات "كل محلّ سعر" بعدما نشطت السوق السوداء وانقطعت البطاقات من الأسواق في مناطق عدة، في حين برزت ظاهرة جديدة تضاف إلى احتكار البطاقات. ففي حديث لـ"التحري"، يكشف أحد أصحاب محال الهواتف أنّ "هذه المحال بدأت تخزّن الدولارات لبيعها بكلفة أغلى بعد رفع التعرفة".

وفي وقت حافظ فيه بعض بائعي البطاقات في محال بيع الهواتف وتشريجها على التسعيرة الرسمية نفسها، سُجِّلت أسعار مرتفعة للبطاقات عينها في محالّ أخرى، تجاوزت بكثير السعر الرسمي المعتمد. وعلى سبيل المثال، فإن بطاقة تاتش الكبيرة "22 دولارا زائد شهر تشريج" والتي يبلغ سعرها الرسمي 39 ألف ليرة وتباع لدى المتاجر بـ40 ألف ليرة، وصل سعرها في السوق السوداء لحدود المئة ألف ليرة.

و"الحق" ليس كله على أصحاب المتاجر، فهناك وكلاء يحتكرون تلك البطاقات ولا يسلّمونها إلا وفق تسعيرة مرتفعة. لكنّ صفة الجشع الملتصقة ببعض التجار، دفعتهم لبيع البطاقات "أونلاين" وذلك مباشرة من الوكيل المعتمد، وبيعها بالسعر المرتفع الذي تباع به البطاقات الورقية...

فما هي الصورة التي تخيم على قطاع تشريج بطاقات الهاتف اليوم؟ وأي مستقبل ينتظرها؟

المستهلك الضحية الأكبر

وللوقوف عند المستهلك "المتضرر الأكبر" من الضبابية التي تسيطر على أسعار بطاقات الشتريج، تقول هالة، في حديث لـ"التحري" "اشتريت بطاقة تشريج أيام دون دولارات لخط ألفا بـ 25 ألف ليرة عوض 15 الف ليرة"، أي "بزيادة 10 آلاف ليرة"، معلِّقة بالقول "أصحاب المحلات عم يرفعوا السعر دون ما يرجعوا لحدا بقرارن"، و"ما في دولة تراقب ولا من يحزنون".

بدورها، اضطرت نهاد لشراء بطاقة تاتش الكبيرة "عالقطعة"، بـ"60 ألف ليرة عوض 41 ألفاً"، وذلك "تفادياً لأن يحترق خطي قبل يومين من موعد احتراقه"، بعد أن "قضيتُ يومين أجول على محال الهواتف في المنطقة التي بغالبيتها كانت تقول أن لا بطاقات لديها، فيما البقية كانت تبيعها بنحو 70 ألف ليرة".
أما سامر، فاشترى 5 بطاقات تشريج دفعة واحدة، وبتسعيرة أعلى من التسعيرة الرسمية، وذلك "خشية من رفع التعرفة وخسارة خطي بالكامل في حال عدم تمكني من دفعها".

الوكلاء يحتكرون البطاقات.. التجار يخزنون "الدولارات"!

وصحيح أن المستهلك هو الضحية الأكبر لتخبط سوق بطاقات التشريج، لكن بعض أصحاب محال الهواتف يوضعون هم كذلك في "الواجهة".

في السياق، يقول أحد أصحاب محال بيع البطاقات لـ"التحري"، متحفظاً عن ذكر اسمه "نحن نشتري هذه البطاقات من الوكلاء، الذين يحتكر بعضهم البطاقات ويقطعها من السوق عن عمد ليرفع من سعرها ويفتح باباً للسوق السوداء"، ما يجعلنا "نضطر لشرائها في هذا السوق نتيجة ندرتها واحتكارها وازدياد الطلب عليها"، وبطبيعة الحال "نبيعها للزبون على السعر الذي قمنا بشرائه، بزيادة 4 آلاف ليرة عليه على أبعد تقدير".

ومع هذا، يؤكد أن "بعض الوكلاء ملتزمون بالتسعيرة الرسمية 39 الف ليرة للبطاقة، والوكيل الذي نتعامل معه من بينهم، ما يتيح لنا الإبقاء على بيع البطاقة عند حدود الـ41 ألف ليرة"، لكن "بمجرد أن ينقطع هذا الوكيل من البطاقات "قد نشتري البطاقة بـ66 ألف ليرة في السوق السوداء ونبيعها بـ70 ألفاً".

ومقابل احتكار بطاقات التشريج من قبل الوكلاء، وحاجة بعض المواطنين لـ"تشريج أيام" على حدى، وآخرين "دولارات على حدى"، يكشف هذا التاجر عن "بدعة" جديدة بدأ يعتمدها بعض أصحاب محال الهواتف وهي تقضي"بجمع أكبر عدد متاح من حزم دولارات ألفا وتاتش على هواتفهم"، بعدما حكي عن إمكانية "تثبيت الخطوط دونما حاجة لتشريجها بما يعرف "تشريج ايام" و"اكتفاء الوكلاء ببيع وحدات أو ما يعرف بالـ units"، كـ"حزم دولارات مخصصة للاتصالات وخدمات الانترنت".

وعملية التخزين هذه، تأتي ربطاً بحديث وزير الاتصالات عن إمكانية "رفع سعر الداتا فقط". في السياق، يتوقع التاجر أن "تباع حزمة 10 دولارات من تاتش مثلاً ب 50 ألف ليرة بعد رفع التعرفة عوضا عن 15-18 ألفاً، فيكون بذلك صاحب المحل ربح بتخزينها "حوالي 35 ألف ليرة طالما أنه باعها بسعر أعلى من سعرها اليوم".

قطاع الإتصالات: الحلول المُرّة

ولم يعد خافياً على أحد أنّنا نشهد أزمة تتهدد قطاع الاتصالات برمته، وليست أزمة بطاقات التشريج إلا تبشيراَ بما "هو أعظم". فوزير المالية سيقدم رقمين حول موازنة وزارة الاتصالات، الأول على أساس بقاء التعرفة على سعر ال 1500 ليرة، والثاني زيادة التعرفة من 1500 إلى حدود ال 9000 ليرة". وهو مؤشر لا ريب فيه عن الاتجاه لزيادة التعرفة.
فـ"البقاء على سعر الـ 1500 يعني تسجيل خسارة بنحو 350 مليار ليرة"، وفق ما أعلن وزير الاتصالات جوني قرم، فيما سياسة الدعم "أثبتت فشلها"، عدا عن أنه لا مصادر للدعم حتى بل أنّ سياسة الدولة اليوم هي رفع الدعم بعدما تخطى دولار السوق السوداء الـ30 ألف ليرة، وبلغ احتياطي مصرف لبنان بالدولار أرقاماً حرجة!
وبحسبة بسيطة، يصبح سعر بطاقة تشريج كبيرة من تاتش عند دولار 9000 ليرة، 360 الف ليرة. والأخطر من ذلك، هو أنه حتى زيادة التعرفة إلى 9000 ليرة إن حصلت، قد لا تبقى صالحة في حال استمرار انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، إذ "عندها تتغير كل المعطيات"، وفق وزير الاتصالات.
ومع تعرفة مدولرة بالكامل على افتراض أن دولار السوق السوداء بقي في الأسابيع المقبلة عند حدود 33 الف ليرة، فتبلغ البطاقة 1320000 ليرة، أي حوالي ضعفي الحد الأدنى للأجور!

وفي أحسن الأحوال، وإذا ما تم الإبقاء على أسعار البطاقات كما هي نتيجة تعذر اجتماع مجلس الوزراء، فأسعار حزم الدولارات لن تكون بمنأى عن الغلاء، مع تطبيق الوزارة سيناريو "الإكتفاء برفع الداتا" الذي تطرق إليه الوزير، والذي قد يلجأ لإقراره "بقرار وزاري" دون الرجوع لمجلس الوزراء، مستشهداً "بقرارات اتخذها سابقا 3 وزراء اتصالات بزيادة سعر الداتا".

واليوم مثلا قد يشتري المستهلك حزمة 10 دولارات من ألفا أو تاتش بحدود 15 ألف ليرة، يتيحون له إجراء مكالمة مدتها 40 دقيقة، مع مصروف 25 سنتاً للدقيقة الواحدة. فيما وفق دولار الـ9000 ليرة، قد تكلف الـ10 دولارات من رصيد ألفا أو تاتش، 135 ألف ليرة.

وفي وقت بات فيه اللبنانيون يعتمدون على خدمات الانترنت للتواصل والتحدث، فإن حزم الدولارات المخصصة لخدمات الانترنت بحجم 10 دولارات قد لا تصمد لأكثر من يومين لمستهلك يستخدم برامج التصفح عبر الشبكة العنكبوتية على هاتفه بشكل متكرر، فيما قد يحتاج لحزمة 30 دولاراً في رصيده لصالح الاشتراك بالخدمات شهرياً، وربما أكثر. أي أنه قد يصرف 270 ألف ليرة على خدمات الانترنت على هاتفه قريباً بعدما كانت لا تتخطى الـ50 ألف ليرة.

غربلة المشتركين

وهذا الغلاء المحتم لتعرفة الاتصالات، سيغربل مشتركيها، ويحرم مئات آلاف اللبنانيين من حقهم بالاتصال والتواصل. أما السيناريو الأسوأ، فهو استمرار عمل شبكتي ألفا وتاتش برداءة بالشبكة، إلى أن تتوقف شركة تاتش عن الخدمة في آذار وشركة ألفا في أيار على أبعد تقدير، ما يعني انقطاع اللبنانيين الكامل عن بعضهم وعن العالم الخارجي، إذا لم يكن إقرار رفع التعرفة قاب قوسين أو أدنى!

بحث

الأكثر قراءة