أمل ترشّح مطلوبيها للعدالة... والتغييري حسن مظلوم يتصدى لغازي زعيتر في بعلبك-الهرمل

انتخابات ٢٠٢٢ | | Monday, January 17, 2022 8:14:16 PM


قررت حركة أمل ترشيح نوابها المطلوبين للعدالة في انفجار مرفأ بيروت، علي حسن خليل عن دائرة حاصبيا، وغازي زعيتر عن بعلبك-الهرمل، للانتخابات النيابية المقبلة، فتجرأت حيث لا يجرأ إلا "الوقحون"، وعوض أن تسلّم مطلوبيها للقضاء، فرضتهم مرشحي"القدر" على أهالي المنطقة، اللهم إلا إذا "الشعب أراد الحياة"... بعيداً عن مرشحي منظومة الموت، و"استجاب القدر".

وفي دائرة بعلبك-الهرمل، قررت حركة أمل أن تلعب بورقة زعيتر "المحروقة" قضائياً، دولياً وأخلاقياً، كفارّ من القضاء والعدالة، وكفاسد جرّمته عقوبات أميركية، مطمئنة إلى أنّ المقاعد الشيعية "محجوزة" سلفاً للثنائي الشيعي ولا خوف من تغير في المزاج الشعبي الذي اعتاد "فرض" المرشحين عليه فرضاً!

وبدعم من حليفها حزب الله، ترشح الحركة زعيتر لأسباب عدّة أهمها استجداء الحصانة النيابية له للأربع سنوات المقبلة، عبر استخدام أهالي بعلبك-الهرمل كـ"طعم"، من خلال "تغميس" أيديهم بـ"حبر" التصويت لمطلوب للعدالة!

لكن ارتياح أمل لفوز زعيتر قد يهزه استياء أهالي المنطقة من ترشيحه من منطلقات عدّة. بدورهم، يتجهز ثوار بعلبك الهرمل لعدم أعطاء الثنائي الشيعي المقاعد الستة للشيعة "على طبق من ذهب". من هنا، يمضي الثائر المرشح الدكتور حسن مظلوم بخوض الانتخابات على الرغم من انعدام توازن القوى، معولاً على الثوار الناقمين على المنظومة.

وما لا تعرفه أمل، أن لكل شيء ثمن، وليست كل الأوراق "المحروقة" متاحة للعب. وهي إذ "تلعب بالنار" بترشيحها زعيتر، يبقى السؤال الأبرز: هل تحرق يديها؟

ترشيح زعيتر: إهانة لأهالي بعلبك-الهرمل

وترشيح مطلوب للعدالة لمنصب نيابي بعد استدعائه قضائياً، هو مشهد سريالي ربما لا يحصل إلا في بلد كلبنان، "مرتع السريالية"، حيث المافيا والميليشيا، تحكمان قبضتهما على الدولة!

وهذا الترشيح السريالي بحد ذاته إهانة لأهالي بعلبك-الهرمل أنفسهم، المنطقة التي سقط لها ضحايا في انفجار المرفأ، إذ لم تكتف قيادتا أمل والحزب بمنع المحاسبة عن زعيتر على حساب العدالة، فها هي تريد حمايته من القضاء بأصوات أهل المدينة، وتريد زجّ ضمائرهم بلعبة الدماء التي سقط فيها أكثر من 200 ضحية ودمر فيها ثلث العاصمة بيروت.

فهل يستحيل حبر الاقتراع دماءً مغطسة بتكريس الجريمة؟ وألا يولّد ترشيح زعيتر سخطاً حتى لدى أنصار حركة أمل أنفسهم؟ وهل يتسبب هذا السخط جدياً بتهديد حظوظه بالفوز في الانتخابات المقبلة؟
هي أسئلة وحدها الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة عنها. لكنّ المؤكد اليوم هو أنّ مجرد ترشيح زعيتر، كاف لإثارة سخط وامتعاض أهالي المنطقة. فهو إهانة لهم قبل غيرهم من اللبنانيين، وهو إهانة على مستويات عدة...

وأليست إهانة أن يرمى آلاف مواطني المنطقة في السجون جراء غياب الدولة وانتشار الفقر فيها ولجوء الكثيرين لأعمال غير قانونية، فيما مطلوب واحد، هو زعيتر، تدار لأجله كل هذه المعركة؟ وماذا عن تجييش مئات آلاف الأصوات لأجله؟ فيما لا تؤمّن أكثرية نيابية لإقرار وعود رئيس حركة أمل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بالعفو العام عن أهالي بعلبك- الهرمل، ولا يعدو هذا الملف كونه "ورقة" تفاوضية تحركها أمل سياسياً في للتوقيت الذي يفيدها؟

وأليست إهانة لعائلات وعشائر المنطقة، وحتى المحزبين في أمل، ألا ترى الحركة مرشحين لتمثيل أنصارها، سوى المطلوبين للعدالة؟

وإذا كان مطلوبو بعلبك انزلقوا في أعمال خارجة عن القانون، لأنه لا دولة تحميهم من الجوع والعوز، فالمفارقة أن حركة أمل هي من أبرز أحزاب المنظومة الممسكة بالدولة. وشتان بين نائب مطلوب للعدالة، وشاب بمقتبل العمر مسجون لأن العدالة الاجتماعية غائبة!

ثمانية حواصل... إلا إذا

وهناك 10 مقاعد نيابية في بعلبك: 6 شيعة، 2 سنّة، 1 كاثوليك، 1 ماروني. ويراهن الثنائي الشيعي أمل وحزب الله على الفوز بثمانية مقاعد على الأقل، بما فيها المقاعد الستة للشيعة كاملة، حيث يتوقع فوزهم فيها دونما خرق، إلا بثلاثة سيناريوهات محتملة:

-والسيناريو الأول هو تكاتف المعارضة وتركيزها على أحد المقاعد الشيعية وتخليها عن الفوز بمقعد سني أو مسيحي. فيما لم تتضح مشهدية التحالفات بعد لكن هناك لائحة للقوات اللبنانية، وهناك عمل جدي من قبل بهاء الحريري في المنطقة ولم يحسم تيار المستقبل ترشيحه، وهناك مستقلون ومجموعات ثورية.
وهذا السيناريو هو أمر مستبعد سيما لدى المقعد المسيحي الماروني، فالقوات لن تتخلى عنه هي التي اعتبرته انتصاراً لها عام 2018 من خلال القانون النسبي.
أما فوز المقعد الشيعي المعارض بأصوات شيعية سنية ومسيحية معارضة، فليس بالأمر السهل كذلك الأمر، إذ يمنح الصوت التفضيلي بغالبية من أبناء الطائفة نفسها.

-والسيناريو الثاني وهو أن يخسر الثنائي الشيعي بمحض إرادته أحد المقاعد الشيعية لمصلحة المقعد السني أو المسيحي، وهو أمر مستبعد كذلك الأمر، فالأولوية بالنسبة للثنائي هي لعدم تسجيل أي خرق في الساحة الشيعية، وهو أمر لن يتساهل معه حزب الله لأنه يدرك أن تسجيل الخرق سيفتح الفرصة لكسر حصر تمثيل الثنائي الشيعي للطائفة الشيعية.

-ويبقى السيناريو الثالث وهو حصول أعجوبة ليس فقط على مستوى المزاج الشعبي-وهو مستاء ويائس وغاضب بلا شك من الانفجار الاجتماعي، لكن الأعجوبة تكمن في ترجمته لغضبه بطريقة منظمة في الصناديق- بل على مستوى المرشحين المعارضين كذلك، لناحية قدرتهم على قيادة حلف متين، يسجل خرقاً على أحد المقاعد الشيعية. فيما، أخلاقياً على الأقل، يبدو المقعد الذي يناور عليه غازي زعيتر، الأكثر قابلية لاختراقه.

لبعلبك-الهرمل سوابق في التمرد

ولطالما تعاطت قيادتا الثنائي مع بعلبك الهرمل كدرجة ثانية مقارنة بالجنوب الذي له الأفضلية بالإنماء، ما زكّى لدى أهالي المنطقة روح التمرد أحياناً كثيرة، لمعرفة منهم بدرجة الحرمان التي يرزحون تحت وطأتها، وتحميلهم أحزابهم المسؤولية.

وأبرز أشكال التمرد مطلبياً كانت الوقفات الصارخة التي تشكو التهريب عند الحدود برعاية حزب الله. وأبرزها انتخابياً، الإستياء العلني من ترشيح النائب حسين الحاج حسن في انتخابات العام 2018، ما اضطر أمين عام حزب الله حسن نصرالله للتدخل شخصياً وقتها، وإعلان استعداده للسير في بعلبك، وترغيب أهلها على القبول بالحاج حسن مرشحاً.
وأهالي الهرمل أقل "انضباطاً" من أهالي الجنوب طالما أنّ أحداً لا يربحهم "جميلة" بتحرير أرضهم، ما يجعل إمكانية تمردهم على الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، أمراً متاحاً...

مظلوم: أين حصانة المواطنة؟

في السياق، يقول المرشح على المقعد الشيعي في الدائرة، الدكتور حسن مظلوم، في حديث لـ"التحري"، "لطالما كان تعاطي الثنائي مع بعلبك الهرمل استفزازياً، فهم الذين يختارون نواب المنطقة ويفرضونهم على أهلها فرضاً. من هنا، لا عجب إن عمل النواب بأمر من يأتمرون بأمره، وليس لمصالح المنطقة وأهلها. ومن هنا أيضاً، لا عجب إن كانت المنطقة خالية من أي مشاريع انمائية.
في المقابل، يسأل مظلوم "إذا كانوا يريدون تأمين حصانة لزعيتر عبر ترشيحه وهو العنوان الذي يقودون به هذا الترشيح"، فماذا عن "حصانة الدواء وحصانة رغيف الخبز وحصانة التعليم والزراعة والطبابة وفرص العمل؟ وماذا عن حصانة المواطن بحقوقه بالمواطنة؟".

وفضيحة ترشيح زعيتر في بعلبك الهرمل لا تقتصر على تورطه في انفجار المرفأ وحسب، "فإذا مُنع الانماء عن بعلبك-الهرمل منذ العام 1992 الى اليوم، فزعيتر مسؤول منذ كان نائباً عام 1996 الى اليوم عن تهميش المنطقة، سيما وأنه من الذين شغلوا مناصب وزارية عدة، وبقي نائباً إلى يومنا هذا، ولطالما كان زعيتر نائباً عند نبيه بري لا أهالي بعلبك الهرمل".

و"ما المشكلة بتسليمه للقضاء، وبماذا هو أفضل من عشرات آلاف اولاد الهرمل الموقوفين المطلوبين لدى الدولة؟"، يسأل مظلوم، مضيفاً "ليمثل أمام القاضي وإذا كان بريئاً سيطلق سراحه وإذا كان مداناً فليحاكم".

استياء عارم

وعن تسبب ترشيح زعيتر بالإستياء لأهالي المنطقة، يكشف مظلوم أن "الاستياء طال كذلك حزب الله الذي لم يكتف بتغطية الترشيح وحسب بل قام بتبنيه". والحزب "إذ يعتبر نفسه لم يشارك في الفساد، ألا يعتقد بأن تغطية الفاسدين والتحالف معهم بلائحة واحدة، هو الفساد بعينه؟"، يسأل مظلوم.
وهذا الترشيح لا تستفز الثوار وحسب بل "حتى يستفز أنصار حركة أمل نفسهم، ومن بينهم عشيرة آل زعيتر نفسها"، يؤكد مظلوم. "فشقيق النائب غازي زعيتر، جب دعاس زعيتر يراهن على وراثة المقعد عوضاً عن شقيقه، وكذلك المحامي مدحت زعيتر، فيما عدد كبير من أبناء العشيرة يرون بأن المقعد بات "مبهبطاً" على غازي زعيتر!

مواجهة بالموقف

ولا يستهين مظلوم بالمعركة، ويدرك صعوبتها "فعشرات الآلاف من أهالي بعلبك الهرمل متعاقدون ومتفرغون لدى حزب الله ويتقاضون رواتبهم بالدولار وفي حرب اقتصادية كهذه، المال لا يواجه إلا بالمال ونحن نواجِه بالموقف". ويسأل "بماذا نواجه شخصاً يتقاضى 3 آلاف دولار شهرياً؟".
ومع هذا، ومع أنهم "قاموا بحياكة قانون انتخابي على قياسهم"، يؤكد أننا "سنخوض المعركة بالموقف السياسي والوطني، انطلاقاً من صوابيته".
وحتى الساعة، يبذل مظلوم قصارى جهده للترشح ضمن لائحة مستقلة بالكامل، لكنه -عانينا مع بعض من يطلقون على نفسهم اسم مجموعات الثورة، إذ أن أداء بعضهم لا يختلف عن أداء السياسيين- من هنا، لم يقفل مظلوم الخيارات بوجه تحالفات محتملة، هو المدرك بأن "أي لائحة ليس فيها حسن مظلوم لن تكون منافسة جدياً للثنائي على المقاعد الشيعية، انطلاقاً من أنّ ثقة أهالي المنطقة بي عابرة للطوائف".
ويختم مظلوم حديثه بالقول "مع أن مبلغ الترشيح ليس مؤمناً لدينا، لكنني مرشح جدي وسأخوض المعركة"، فـ"التغيير يبدأ من الأطراف وأحزمة البؤس والشحار والتعتير".

وتريد أمل حصانة برلمانية بأصواتاً انتخابية شعبية تمنع عن زعيتر المحاسبة، فيما عملية الاقتراع بحد ذاتها "محاسبة" شعبية! فهل يحاسِب أهالي بعلبك-الهرمل زعيتر في الهرمل، فيثأر البقاع لحرمانه ولبيروت والعدالة في آن؟ هو سؤال مشروع، ووحدها صناديق الاقتراع كفيلة بالإجابة...

بحث

الأكثر قراءة