بري والدولة المدنية: "أسمع كلامك أصدّقك أشوف أمورك أستعجب"!

انتخابات ٢٠٢٢ | فتات عياد | Tuesday, January 18, 2022 5:59:23 PM
فتات عياد


فتات عياد


"لا مناص ولا خلاص ولا إنقاذ ولا حماية للبنان إلا بالعودة الى الإلتزام بقواعد الدستور والقانون وبالدولة المدنية"، قالها رئيس مجلس النواب نبيه البري اليوم، هو الذي "طلع شعر ع لسانه" وهو ينادي بـ"الدولة المدنية". لكن "قول بري" لم يترجم يوماً لا إلى "مسعى" ولا إلى "فعل". فهل فعلاً يسعى بري للدولة المدنية؟

وفي حين أنّ فصل الدين عن الدولة يعني الذهاب نحو الدولة العلمانية، وفي وقت لا وجود فيه للدولة الدينية في الدستور اللبناني، لكنّ مقومات الدولة المدنية التي تقضي على شبح الطائفية، غير متوفرة بغالبيتها في لبنان.

فلماذا إذاً يكرر بري مراراً دعوته للدولة المدنية؟ وما هي أبرز أركانها المنقوصة التي يحتاجها لبنان للحد من الطائفية؟

قانون موحد للأحوال الشخصية

وأبرز أركان الدولة المدنية التي يحتاجها اللبنانيون، تبدأ من علاقاتهم الأسرية، فالعائلة النواة هي الأساس، وأي حديث آخر عن "العيش المشترك" لا يعدو كونه محض سخرية.

وحتى الآن فإن الزواج المدني ممنوع في لبنان، لمصلحة رجال ومؤسسات الدين، ما يأخذنا إلى أبعد من ذلك بكثير، ألا وهو الحاجة لقانون موحد للأحوال الشخصية.

والقانون الموحد للأحوال الشخصية كفيل بمعالجة معضلات كثيرة على مستوى حقوق اللبنانيين الأسرية والمساواة فيما بينهم، وتكمن اهميته بأنه يساوي بين المواطنين اللبنانيين بأحكام مدنية بعيدة عن استنسابية المحاكم الروحية ومشايخها.
وأبرز الأزمات الاجتماعية التي يعالجها هذا القانون في صيغة عصرية تلبي حقوق المجتمع ولا تميز على أساس جندري، هي: منع تزويج القاصرات وتجريم الاغتصاب الزوجي، وكذلك تحديد سن موحد للحضانة وانهاء مأساة المرأة الشيعية التي تحرمها المحكمة حقها بحضانة طفلها عند بلوغه عامين فقط، وصولاً إلى منح المرأة اللبنانية حقها بمنح الجنسية لأولادها.

قانون انتخابي خارج القيد الطائفي

هذا في شق الحقوق المدنية، أما الحقوق السياسية وانعكاس الدولة المدنية عليها، فهو ما تطرق اليه الرئيس بري مراراً، عبر دعوته إلى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، ما يزكّي روح المواطنة، ويدحض التحريض الطائفي والروح الطائفية.

واتفاق الطائف اذ نص على الغاء الطائفية مراراً، عالج هذه المسألة عبر طرح إنشاء مجلس شيوخ، لم يتم إنشاؤه حتى يومنا هذا.

مزايدات بري

ويمكث الرئيس بري منذ العام 1992 على كرسي رئاسة مجلس النواب، السلطة التشريعية، وهو منذ ذلك الحين ينادي بالدولة المدنية. ليتضح أنها "مزايدات" في السياسة وشعبوية. ليس إلا!
فرئيس مجلس النواب هو الضنين على التعديلات الدستورية، ولو أراد المضي بالدولة المدنية لجنّد كل قواه لهذا الهدف، سواء على مستوى حركة أمل، وهو رئيسها، أو على مستوى كتلته النيابية.
لكنّ بري فضّل "المزايدة" بالشعار، لا سيما في المواسم "الانتخابية"، كورقة شعبوية. هو العارف بأن لا إصلاحات جوهرية في صلب النظام اللبناني إلا عبر تغيير جذري في المنظومة، أو ربما مؤتمر سياسي برعاية دولية.
أضف إلى ذلك، فإن بري وحركة أمل، أو الثنائي الشيعي أمل وحزب الله، هم أقل المتضررين مثلاً من الانتخابات خارج القيد الانتخابي، وفق حساباتهم الطائفية، انطلاقاً من أنّ الوقائع الديموغرافية تصبّ في مصلحة الطائفة الشيعية. مما يعني أن بري لا يخشى مما ينادي به أقله على صعيد القانون الانتخابي خارج القيد الطائفي، لكنه في الوقت نفسه، لا يسعى جدياً للذهاب نحو الدولة المدنية بكل معانيها.

في المحصلة، ما أحوج لبنان للدولة المدنية التي تحرره من القبضة الطائفية، فيما من الصعب أن يأتي بها، "أمراء الحرب الأهلية"!

بحث

الأكثر قراءة