انسحاب تكتيكي من خوض الانتخابات بشخصه، لمن ساهم في إطفاء لبنان وإضاءة "البترون": باسيل و"أصوات" البتارنة العصية عن "البيع"

التحري | فتات عياد | Tuesday, January 25, 2022 4:28:10 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

إن كانت قدماك قد وطئتا مدينة البترون اليوم، لعلّك ولو لوهلة تذكرت أسواق بيروت في أوج تألقها قبل العام 2005، تلك الغارقة في العتمة بعد انفجار أطاح بثلث المدينة وانهيار اقتصادي وإهمال متعمد. ولعلّك شعرت بالمال السياسي المهدور على الحجارة لا الناس، والذي يبدو أنه "غير كاف" حتى لانتخاب جبران باسيل وإعادته إلى حلبة النيابة. هو، الذي يُتداول في الكواليس أنه سيهرب من المواجهة بالمباشر، خشية من "البهدلة" بالنتائج مقابل من يعتبرون "أقل زبائنية" منه بين المرشحين السياديين غير ملطخي الأيدي بالخط الإيراني. لا، بل، هو الطامح لاستكمال دوره في رئاسة الجمهورية، كأصيل لا ظل... وإن لا، فالوزارة أسهل خوضاً كمعركة من مواجهة الناس.

يقول أحد أبناء البترون لـ"التحري": "يا ضيعان عرض "عضلات الصهر" وتعمّده إبقاء البترون على خارطة المهرجانات هذا العام، فكان يسوّق لزعامته أكثر مما يسوق للبترون نفسها" ويتابع "وفي حين كان يشتري فيها عقارات بلغ المعروف منها حتى الآن 51 عقاراً، نسي باسيل أن شراء الجدران في المدينة، ليس كشراء الأصوات فيها، وأن أصوات غالبية أهالي البترون "غير مخصصة للبيع"

بيت المغترب... وبيت باسيل

وأطبق باسيل على البترون من خلال 3 مستويات شبّكت فيما بينها. والمستوى الأول كان جمعية Batroun old souks، التي تولت الضغط لشراء باسيل نفسه ومتمولين يدورون في فلكه، غالبية بيوت ومحال سوق البترون القديم، لتأجيرها واستثمارها لاحقاً بمبالغ طائلة بعد ترميمها وتحويلها إلى "سوليدير" جديدة. والمستوى الثاني كان عبر لجنة مهرجانات البترون التي عمل باسيل على إظهار "فضله" في أعمالها، تكريساً لمنطق الزعامة. والمستوى الثالث كانت بلدية البترون بشخص رئيسها مرسيلينو الحرك، والتي سهلت لباسيل أعماله وأهدافه في المدينة، على قاعدة "مرقلي حتى مرقلك".

لكن المستوى الرابع لعملية تسويقه لنفسه، تجلى باستحواذ البلدية (اعطيت حق الاستثمار) لحي القلعة الذي سمي بـ"بيت المغترب"، ليخصصه باسيل مذ كان وزيراً للخارجية لتتويج ختام "مؤتمرات الطاقة الاغترابية"، و"يتسول" بشكل علني، أصوات المغتربين الذين يُطلق عليهم اسم "منتشرين"، هو الذي لا يراهم سوى اصواتا انتخابية.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الناخبين من المغتربين في قضاء البترون،يشكلون نسبة نحو 10.2% من إجمالي الناخبين، وهي نسبة عالية مقارنة بدوائر أخرى. وغالبيتهم من الموارنة مع 5081 ناخبا، من اصل 6416.

وجامعاً إياهم في "بيت المغترب" وفي "بيته" الكبير، مدينة البترون، "جمع" باسيل كل "طاقاته" التسويقية لترغيبهم بانتخابه، ومع هذا، ما زال بعيداً عن الفوز، والمعلومات تقول أنه سيهرب وسيتشبه بخصمه "سمير جعجع" مُرشحاً أوصياء بدلاء يُحسبون له، إن خسروا فلا تعود أهزوجة الهيلا هو.

فابن البترون الشمالية رسب في انتخاباتها عامي 2005 و2009، وها هو يشرف على الرسوب مرة ثالثة وفق الاحصاءات التي تشي بتراجعه في مدينته، بعد أن فاز عام 2018 عبر قانون انتخابي على قياسه، متحالفا مع ميشال معوض، وشاحذا اصوات السنة المناصرين للمستقبل عبر التسوية الرئاسية.

ويومها، لم تكن معالم الانهيار الاقتصادي قد تكشفت، ولم يكن مرفأ بيروت قد انفجر بأهلها، ولم يكن عهد الرئيس ميشال عون قد كشر عن جميع أنيابه بعد.
ويومها كذلك، لم يكن سلاح حزب الله حليف باسيل مطروحا للنقاش شعبيا بقدر اليوم، ويومها كذلك، لم يكن باسيل "معاقباً أميركياً"، فيما جدران الزعامات جميعها "تخلخلت" مع انفجار 4 آب وقبله ثورة 17 تشرين 2019، التي خصصت لباسيل حصة الأسد من شعار "هيلا هو"، والمغتربون اللبنانيون "المستجدّون" هم من الناقمين على الطبقة السياسية "كلا يعني كلا".

لكن يبدو أنّ لباسيل حسبة أخرى...

السيطرة على الثقافة... والمهرجانات

وليست صدفة أن يأتي إعلان وزارة السياحة هذا العام تحت عنوان حملة "بجنونك بحبك"، مميّزاً الحرفين "جـ" و"بـ" باللون الأحمر ومظهّراً إياهما بطريقة يقرءان فيها على أنها اختصار لاسم "جبران باسيل" في رسالة اعتبرها البعض "ترويجية" ولو من باب الضحك على سذاجة ناقليها، "دعاية ببلاش وبعنوان ليكو عم يتهيألن أحرف إسمي"!

وليس من باب الصدفة كذلك، "قصف" جبهة مهرجانات جبيل عام 2019 من خلال التصويب على فرقة مشروع ليلى، ما صبّ بطبيعة الحال لمصلحة مهرجانات البترون. ووقتها، كانت المهرجانات في أوجها والمبارزة وقتها كانت على أشدها بين الزعامات من بوابة المهرجانات المقسمة كـ"الجبنة" بين الأحزاب.
ومن يسيطر على المهرجانات، يسيطر على الثقافة، حتى يربط بين تاريخ المدينة وحضارتها وثقافتها، به، وكأن جمال المدينة "خرج" للتو من بين يديه، حتى يربّحنّ المدينة وأهلها "جميل"، كأنه يقول "لو لا زعامتي لكم لم يسمع بالمدينة أحد ولم يزرها سائح".

وباسيل، وزير الخارجية الذي عوّل على انتخابات المغتربين قبل أن تصدمه نتائجها عام 2018، يحبذ اليوم اختصار تصويتهم بـ6 نواب مخصصين للاغتراب. "فهم الذين حوّلوا ٦-٧ مليار دولار قبل الازمة في السنة على ناتج قومي كان ٥٠ مليار دولار، واستمروا في التحويل بعد الازمة على ناتج قومي ٢٥ مليار”.

وباسيل الذي اشترى عقارات عديدة واستحوذ عبلى السوق وحجارته وتراثه وتاريخه، عينه اليوم على شراء ما هو أبعد من الحجارة، ونجاح كتلته في الانتخابات النيابية القادمة هو أول خطوة في طريقه لقصر بعبدا، وسقوطه فيها سيخفض حظوظه بدون شك، إذ كيف يكون رئيساً "قوياً" إن بان "مكروهاً" في مدينته الأم؟

باسيل وسوليدير 2

وخلف جبران باسيل زعامة عمه ميشال عون للتيار، وظنّ أن "فخامة" التوريث او المصاهرة تكفي، مع إسقاط بعض التجارب الزعاماتية، ليصبح "المرشح الأقوى" لرئاسة البلاد.
وأراد الجمع بين العونية والحريرية. ليس فقط عبر التسوية الرئاسية مع الحريري الابن عام 2016، وصفقة البواخر على حساب جيوب اللبنانيين، والتجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بل أيضاً عبر محاولة "الترسخ" بأذهان البتارنة، تماماً كما ترسخ رفيق الحريري في أذهان البيارتة حتى بعد اغتياله، حين سألوا يومها "وين اللي عمّر".

وارتأى باسيل أن "يشتري" تاريخ البترون. وظنّ أن هناك من سيقول أنه هو الذي "صنع مجد البترون". في الإطار، يقول أحد البتارنة لموقعنا "هيدا السوق عمره 200 سنة، هيدا تاريخ فينيقي وحضارات متعاقبة ومش جبران عامله، وما يفكر حاله عامله".
وفي هذا المقال لا نستعرض مصادر أموال باسيل على قاعدة "من أين لك هذا"، لكننا نلقي الضوء على تحويله سوق البترون القديم، لـ"سوليدير" جديد.

ولباسيل 52 عقاراً، 51 منها في قضاء البترون، 16 عقاراً منها في السوق القديم في مدينة البترون. فيما يملك فرنسوا بركات، شريك باسيل، عقارات أخرى في السوق، كما يملك رمزي يزبك وهو محامٍ مقرب من باسيل 4 عقارات في السوق. وبحسب ما نشره برنامج “يسقط حكم الفاسد”، فجبران يشتري عقارات عبر يزبك.

ولم يخضع تجار السوق القديم لبيع محالهم بسهولة، لو لم تزدهر أسواق مجاورة على حساب السوق القديم، ضمن خطة ممنهجة، ليصبح السوق "شبه ميت" ثم يمارس الضغط على المالكين.

ويفتقد باسيل كاريزما رفيق الحريري، رئيس الحكومة الصيداوي الذي ترشح في دائرة بيروت "أصعب دائرة" بينما باسيل بالكاد يترشح في مدينته ولا يضمن الفوز. وباسيل الذي وعد اللبنانيين بالكهرباء 24/24 فأغرقهم هو ووزراء التيار المتعاقبين في العتمة، ظنّ أن مشهد "البترون مضواية" فيما بيروت وكل مدن لبنان "مطفاية"، ستجعل البتارنة يرضون عنه، واعتقد أن إكراههم على بيع أملاكهم وتخصيص مساحات لغير البتارنة في الأسواق الجديدة لمطاعم شهيرة تمتلك فروعا عدة في لبنان، أي جذب "استثمارات خارجية"، سيمر دون نقمة منهم.

وأتت النسخة البترونية "مصطنعة"، فالبترون لطالما كانت سياحية، ولطالما كانت جميلة بطبيعتها دون إسقاط تجارب بمآرب زعاماتية.

وبيروت المركزية إذ يصعب حصر الأعمال فيها بأهلها، فإن أهالي البترون يحافظون على عقلية "ضيعاوية"، يكرهون فيها بيع "حجارتهم"، ويستغربون "تنفيع الغريب" فيما "نحن أولى بالمعروف". وهذا ما فات باسيل، وهذا ما سيحصده في صناديق الاقتراع.

باسيل... على لسان أهالي البترون

و"لا يربحننا باسيل جميلة" يقول أحد البتارنة، فالبترون "لطالما كانت مقصداً للسياح في الصيف نسبة لشواطئها ومقاهيها وحاناتها"
وشعبية باسيل متراجعة في البترون عموماً، وفي حي البحر خصوصاً. فالبتارنة هناك "ينقمون على التملك الذي حصل وجذب الاستثمارات غير البترونية". و"في بحر البحصة مثلاً، كان الناس ليمنعوا من النزول للشاطئ مجاناً بسبب استملاك المنطقة المحيطة من قبل مقربين من باسيل"، لولا "قامت الدني وقعدت والناس رفضت هيدا الشي".

"انا من البترون، يعني من عند الزلمي؟"، قاصدا باسيل، يقول أحد البتارنة، مضيفاً "غلط ومنرفض هيدا الشي". وهو إذ سيصوت لمرشحي إئتلاف "شمالنا"، يضيف "لو باسيل بدو يعمرلي قصر ما بنتخبه"، لافتا إلى أن "غالبية ناخبيه هم من المنتفعين فقط، وأن يقول محاميه بويز لصاحب محل "حمول حالك وفل"، شغلة "تقيلة كتير وما بتنبلع عند أهالي البترون"، فيما "تشاوف باسيل لن يصب لصالحه انتخابيا والمجموعة التي تحيط به غير محبوبة في البترون"، هذا ولم ندخل بعد في ملفات الفساد التي تحيط به واللغة الطائفية التي يرفضها شارع تشرين....

هذا وفي حديث لموقعنا، يلفت عدد من البتارنة إلى "بدء العمل على توزيع المازوت والتنفيعات والوظائف على المنتفعين وهو بحد ذاته دليل تراجع لباسيل".

وفي حين أن خسارة باسيل انتخابياً لم تعد "مزحة" حيث من المتوقع عودة مقاليد التمثيل إلى السياديين الذين لا يرون مصلحة مع حزب الله ولا مع اجنحة سوريا السياسية، يبدو أن الـ"تفو" التي وجهتها إحدى الثائرات لباسيل في أحد مطاعم البترون ستتكرر في الانتخابات النيابية على شكل أصوات للبترونيين، يقولون فيها "لا" لباسيل!




بحث

الأكثر قراءة