‏‎بيروت ليست حكراً على أحد: كسر "أحادية الزعامة" قادم

التحري | فتات عياد | Monday, March 21, 2022 11:17:18 AM
فتات عياد


فتات عياد-التحري

قلّةٌ هم من توقّفوا منذ ثورة 17 تشرين 2019 وما تلاها من احتجاجات شعبية، عند مشاركة أهالي بيروت -الطريق الجديدة الثائرين في تلك الاحتجاجات من ساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء في وسط بيروت حصراً، دون تحويلهم أي ساحة من ساحات منطقتهم لـ"ساحة ثورة". كأن تكون "ساحة أبو شاكر" مثلاً، معقلاً للثورة، تماماً كما ساحة ساسين في الأشرفية أو حتى كساحة المشرفية في الضاحية الجنوبية، والتي شهدت مراراً تحركات مطلبية، على الرغم من ترهيب الثنائي الشيعي لثائري تلك المنطقة.

وهذا الغياب "الجغرافي" للثورة عن طريق الجديدة، ليس صدفة بريئة، تماماً كما حضور شبان ذوي طابع مخابراتي خلال تصوير إحدى حلقات برنامج "بدا ثورة" منذ سنوات عند طلعة الجامعة العربية ليسألوا أبناء المدينة الذين يستضيفهم البرنامج "ماذا ستقولون أمام الكاميرا؟". هي أحادية التمثيل إذاً للمنطقة، بعباءة زرقاء لبستها أكثريتها بإرادتها منذ أكثر من 15 عاماً، يوم هتفت "الله حريري طريق الجديدة"، لكن يبدو أن السماء وحدها من تحافظ على لونها...

وتغيّر المزاج الشعبي في الطريق الجديدة أسوة بغيرها من المناطق، بعد انهيار اقتصادي حجز جنى عمر المودعين في المصارف، وبعد انفجار 4 آب 2020 الذي أطاح بثلث العاصمة بيروت... ما جعل حملة "بيروت تقاوم" تطرح مشروعها الانتخابي ومرشحيها، انطلاقاً من الحالة الوطنية التي كرستها ثورة 17 تشرين، لمقاومة تحالف المافيا- والميليشيا، لكنّ مناصري سعد الحريري كانوا لها بالمرصاد أمس الأول في شارع حمد في الطريق الجديدة، على وقع عبارة تختصر كل شيء، "فهذه منطقة سعد الحريري". في السياق، يقول المرشح عن اللائحة للانتخابات النيابية ابراهيم منيمنة "يريدون طريق الجديدة غيتو منغلق على نفسه، وهذا ما لا يشبه العاصمة المنفتحة على جميع أبنائها، ولا يشبه إرادة أهلها".

غزوة.... "قل لي من تعاشِر"!

على وقع "هيدي المنطقة لبيت الحريري... احكوا بالانتخابات بغير هيدي المنطقة"... أعلن عشرات مناصري تيار المستقبل، منطقة طريق الجديدة، منطقة مغلقة على ذاتها، وليست رافضة خوض الانتخابات وحسب، بل مانعة "بيارتة" آخرين ينتمون لحملة بيروت تقاوم من ممارسة حقهم السياسي بالترويج لحملتهم فيها .
"واللي بفوت لهون منقطعلوا إجرو... امشوا هلأ أحسنلكم"، هو تهديد "ثقيل" على آذان أولاد بيروت الثائرين أن يسمعوه، فجرحهم بنكبة مدينتهم يوم انفجار المرفأ، ها هو يضاف اليه جرح سطوة جماعة الحريري فيها. كأن لا كلمة للثائرين فيها، ولا "ساحة"..
وفيما كان الجيش ينصح أعضاء "بيروت تقاوم" بالمغادرة لأن جماعة الحريري "رح يستقدموا أعداد كبيرة وتكبر الخبرية"، انسحب اعضاء حملة "بيروت تقاوم"، بعد محاولات مضنية منهم لإقناع مناصري تيار المستقبل أننا هنا "لطرح أفكارنا وتبادلها مع أبناء المنطقة".

وبيروت التي قاومت الاحتلال الاسرائيلي وبعده الوصاية السورية ثم حقبة الاغتيالات عام 2005، وسياسات إفقارها، ها هي تقاوم أركان منظومة 4 آب وقمعها. واللافت هنا، أن غزوة الخيم التي تعرّض لها الثوار في وسط بيروت، أثّرت على انصار الحريري فانعكس تحالفه مع نبيه بري وحسن نصرالله، على سلوكيات مناصريه من محبّي "تكسير الخيم".
لا بل أبعد من ذلك، وكما الحريري أراد أن لا يحل مكانه أحد من أهل البيت نفسه في الانتخابات النيابية، فارضاً على المصرين على الترشح، الاستقالة من تيار المستقبل، يرفض أنصاره أن يحل أي خطاب انتخابي جديد في المنطقة، مع العلم أن هناك 11 مقعداً نيابياً سيمثل أهالي "بيروت الثانية"، وسيتم ملؤها في المجلس النيابي سواء اعتكف هؤلاء عن التصويت أم لا، أي أنه يحق للناخبين الآخرين في الطريق الجديدة معرفة المرشحين عن دائرتهم والتعرف إليهم وإلى برامجهم الانتخابية، في استحقاق نيابي يأتي بعد انهيار اقتصادي وانفجار مدينة، والإحجام عن الانتخاب فيه أقرب للتخلي عن واجب وطني منه إلى حق اختياري يكفله الدستور.

من يحمي المرشحين والناخبين؟

ومن الجدير الذكر أن بيروت تقاوم ليست الحملة الانتخابية الوحيدة المستهدفة في بيروت، فكذلك تم التعرض لصور مرشحين ذوي ثقل في العاصمة، وأيضاً من قبل مناصرين لتيار المستقبل.
وهذه الظاهرة التي تنطوي على الأحادية في تمثيل المنطقة وعلى قمع أي صوت متمايز عن تيار المستقبل، قد تزداد حدتها كلما اقترب الاستحقاق الانتخابي، لا بل قد تترجم يوم الاقتراع تحسساً من مندوبي حملات انتخابية بيروتية، فماذا فاعل هو تيار المستقبل لدرء بعض مناصريه عن "العنتريات" التي لا تعدو كونها فشة خلق لا تعوّض غياب "زعيم المستقبل"؟
والسؤال الأهم، والذي يهم المرشحين والناخبين على السواء: ماذا هي فاعلة الدولة لحمايتهم من "بلطجية" الأحزاب سواء على مستوى الحملات الانتخابية أو على مستوى المشاركة اقتراعاً يوم 15 أيار المقبل؟

منيمنة: من حق أهالي طريق الجديدة سماعنا

وللوقوف عند موقف "بيروت تقاوم" مما جرى في شارع حمد، يقول المرشح عن المقعد السني في بيروت الثانية، ابراهيم منيمنة في حديث لـ"التحري" من "الواضح أنه هناك مجموعات على الأرض من ضمن تيار المستقبل، لا تريد أي خطاب معارض في الطريق الجديدة، وهم يريدونها "غيتو" أو منطقة معزولة ومقفلة، يتحكمون وحدهم بما يقال وما لا يقال فيها".

"وهذا تحدِّ لنا"، يقول منيمنة، فطريق الجديدة "فيها تنوع كبير وسكانها ليسوا جميعاً تابعين لتيار المستقبل، وبالتالي من حقهم سماع وجهات نظر مختلفة في الانتخابات النيابية".

وعن البلطجة التي حصلت في شارع حمد، فيضعها في خانة "فرض النفوذ كما تفعل أحزاب السلطة جميعها"، فتيار المستقبل وغيره "يحاولون عبر الممارسات البلطجية منع أي خطاب سياسي في النطاق العام لأنهم يريدون الإبقاء على سيطرتهم على الخطاب في المنطقة"، وهو "نوع من الترهيب بلا شك، عبر منع أي خطاب معارض داخل منطقة طريق الجديدة، بهدف القول أن هذه المنطقة فهي لنا ونحكمها ونتحكم بها".
في المقابل "هذه بيروت عاصمتنا جميعاً، ويجب أن يسود فيها منطق الدولة والمدينة المفتوحة وتقبل الآخر والديموقراطية وحرية التعبير، كما جميع المناطق اللبنانية، فالنطاق العام يحق لأي مواطن أن يمارس حقه السياسي فيه، وبحماية من الدولة".

سنكمل.. وبروح تشاركية

ونسأل منيمنة عما إذا كانت حادثة حمد ستثني حملة بيروت تقاوم عن إقامة نقاشات في منطقة الطريق الجديدة، ليؤكد أننا "سنتابع العمل ونشاطاتنا في طريق الجديدة وغيرها، وذلك لو اضطررنا لأن نكمل عبر وسائل ديموقراطية أخرى، لإغلاق الباب أمام مناصري الأحزاب من محاولاتهم ترهيب سكان المنطقة".

في السياق، يقرّ منيمنة أننا "واجهنا بعض الاحتكاكات التي لا تذكر في جلساتنا السابقة في مناطق أخرى من بيروت، لكنّ هذه الحادثة التي حاولوا إزالة خيمتنا فيها وطردونا علانية كانت الأقوى"، مضيفاً أنّ "للأحزاب حضور في كل المناطق ويحاولون يمنعون أي ظهور لنشاط انتخابي في المساحات العامة، بعدما باتوا أوصياء على هذه المساحات بقوة الأمر الواقع في ظل غياب دولة القانون والمؤسسات التي من المفترض أن تحمي تلك المساحات وتحمي حق الناس بالتواجد فيها".

ونسأله عن تفاعل أهالي الطريق الجديدة مع الواقعة، ليلفت إلى أنهم "تفاعلوا بقوة، حيث لقيت حادثة حمد تعاطفا معنا من البيارتة ورفضاً قاطعاً للاعتداء علينا، سيما وأن هذه الاعتداءات لا تمثل بيروت ولا طريق الجديدة وهي لا تعدو كونها نموذج عن ممارسات السلطة ورواسب تيار المستقبل"، متأملاً من هذا الدعم والتعاطف الكبير الذي حظينا به، أن "ينعكس عبر تجاوب الناس للتغيير بالانتخابات النيابية".

وإذ تمتاز حملة بيروت تقاوم بأنها حملة تشاركية، يعلّق منيمنة بالقول "هي إدارة للحملة ارتأيناها، بغية تفاعل أهالي بيروت مع خطابنا السياسي على مستوى القاعدة، ليشاركونا حقوقهم ومصالحهم ورؤيتهم بغية توجيه الحملة"، إذ كلما "توسعت قاعدتنا كلما عكست الحملة مطالب أبناء بيروت وحقوقهم وهذا هو الهدف من التشاركية في حملتنا، وهي تجربة جديدة بلا شك، على عكس التجارب الحزبية التي اعتاد اللبنانيون إسقاطها أهدافاً سياسية ليست نابعة عن حاجاتهم ولا تلبيها، يختم منيمنة حديثه.


و"بيروت تقاوم" لا تأتي كبديل عن سعد الحريري أو غيره، بل قوتها تكمن بأنها حالة وطنية مستمدة من روحية 17 تشرين التغييرية ضد منظومة "كلن يعني كلن". وإذ برّر الحريري خياره عدم الترشح بانعدام "أي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة"، فمن الواضح أن نفوذ أحزاب المنظومة هو ما يتسبب بالمزيد من اهتراء الدولة، وأنّ "مقاومة" هذا الاهتراء ضرورة لا مفرّ منها، لاسترجاع وبناء "الدولة" في آن!

بحث

الأكثر قراءة