الحرة

"الشعب الأوكراني، نحن نحبك"، هذا ما قاله أبو تيم المراد، وهو ممرض سابق يبلغ من العمر 45 عامًا من حماة، وهو الآن من بين المقاتلين في محافظة إدلب الذين يحرسون خط المواجهة مع قوات النظام السوري، مشيدًا بجهود الأوكرانيين في صد التقدم الروسي.

وبحسب تقرير لصحيفة"إندبندنت" البريطانية من منطقة إدلب التي تسيطر عليها فصائل من المعارضة السورية، يقول أبو تيم الذي يستخدم اسمه الحركي: "الأوكرانيون يقاتلون مثل الوحوش، ونأمل أن يفوزوا. نحن نحارب نفس العدو، وإذا خسر الروس هناك فهذا جيد لنا هنا".

وإدراكًا للمخاطر، عرض السوريون أيضًا على نظرائهم الأوكرانيين إجراءات استخباراتية صغيرة ونصائح حول تكتيكات الحرب الروسية، وفقًا لعدة مصادر.

ويتفق الكثير من السوريين الذين لجأوا إلى محافظة إدلب هربا من القصف الروسي لمدنهم وبلداتهم على أن قوات موسكو تمارس نفس الأساليب الوحشية في أوكرانيا والتي خبروها على مدى نحو عقد في بلادهم بشكل عام وفي إدلب خاصة.

وفي هذا الصدد تقول الصحفية، سارة قاسم: "سوف يتم تدميرهم نفسيا، والآن لن يكون لديهم الوقت للعزف على الآلات الموسيقية أو ممارسة الرياضة، أو الذهاب إلى المدرسة أو حضور الحفلات الموسيقية أو زيارة الأصدقاء.. سوف يفقدون عقلهم فقط لأنهم يقاتلون من أجل أرضهم ومنازلهم وأطفالهم، وأسوأ شيء هو أن ترى أحبائك يقتلون أمام عينيك".

أوجه اختلاف وتشابه
ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة بين الصراع المستمر منذ 11 عامًا في سوريا والحرب المستمرة منذ شهر في أوكرانيا.

ففي سوريا بدأ الأمر انتفاضة شعبية جماهيرية ضد نظام بشار الأسد الديكتاتوري، ثم تحولت لاحقًا إلى حرب شرسة اجتذبت في النهاية القوة الجوية والبرية الروسية لدعم حكومة دمشق، بينما غزت موسكو أوكرانيا في 24 فبراير في محاولة واضحة للإطاحة بحكومة، فولوديمير زيلينسكي، المنتخبة ديمقراطياً وتنصيب نظام موال للكرملين في كييف.

ولكن هناك أيضًا العديد من أوجه التشابه، في كلا البلدين تصف روسيا خصومها باعتبارهم متطرفين، فهم إرهابيون أصوليون في سوريا ونازيون في أوكرانيا.

وتستهدف روسيا مع نظام الأسد المجمعات السكنية المدنية والمناطق التجارية، مما تسبب في وقوع إصابات هائلة ودفع تدفق كبير للنازحين وتدمير للمستشفيات والمدارس ودور العبادة والكنوز الثقافية والمراكز التجارية.

ويقول جاسم محمد، 58 عامًا، الذي أخذ عائلته من مدينة معرة النعمان السورية إلى خيمة مؤقتة هربًا من غارات بوتين الجوية وبراميل الأسد المتفجرة: "إنها حرب شاملة، وهي مخيفة للغاية"، وهو الآن يشاهد على هاتفه مشاهد شبيهة بسوريا تحدث في أوكرانيا.

ويتوسل الأوكرانيين قائلاً: "إذا كنتم تريدون أن تعيشوا، فقط اهربوا"

ويقول السوريون في إدلب إن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين متعمدة. فالنساء والأطفال والعجائز الهاربون واليائسون والجرحى يقيّدون الموارد ويسدّون الطرقات ويحولون انتباه الجنود ومخططي الحرب والقادة السياسيين.

ويتعلم الأوكرانيون هذا الدرس بالطريقة الصعبة، حيث يقصف الروس المباني التي تحمل علامات واضحة على أنها تؤوي الأطفال النازحين، تمامًا كما ضربوا المستشفيات السورية التي تم وضع علامة عليها بوضوح كمرافق طبية.

ويقول أبوحذيفة، المقاتل السوري البالغ من العمر 25 عامًا والذي كان جنديًا في القوات النظامية: "بالنسبة للروس المدنيون والمقاتلون متماثلون".

وأوضح أبو تيم:"عندما لا يتمكنون من ضربنا، يقصفون المدنيين"، متابعا: "لدينا جميعًا عائلات. إذا تعرضوا للقصف فعندها لايمكننا القتال لأننا سنذهب للبحث عنهم ".

آمال في نصر أوكراني
كما تتشابك الصراعات إلى حد ما، فقد تفاخر بوتين بأن المرتزقة السوريين الموالين للأسد قد تطوعوا لدعم الغزو الروسي المتعثر في أوكرانيا، فيما رصد مراقبون هذا الأسبوع أعدادًا كبيرة من الطائرات تقلع من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية ومن قاعدة عسكرية خارج حلب، ومن المفترض أنها متوجهة إلى روسيا لتعزيز جهود الحرب في أوكرانيا.

وهناك أمل لدى الكثير من السوريين في أن يتمكن الأوكرانيون، بدعم من القوى الغربية الكبرى وحلف شمال الأطلسي، من إلحاق هزيمة مذلة وحاسمة بالكرملين من شأنها تغيير ميزان القوى في سوريا وإجبار نظام الأسد على الالتزام بحل سياسي.

ولتحقيق هذه الغاية، بدأ قادة في المعارضة في التواصل مع الأوكرانيين، حيث قدموا لهم معلومات استخبارية ورؤية ثاقبة ومعلومات حول التكتيكات ونقاط الضعف الروسية، كما يقول ياسر الحاج، المسؤول البارز في الحكومة السورية المؤقتة، وهي هيئة معارضة مقرها في جنوب شرق تركيا وشمال سوريا. .

وأوضح في مقابلة مع الصحيفة البريطانية: "إذا نجح الروس في أوكرانيا، فإننا لا نعرف من التالي، ولكن إذا خسرت موسكو، فهذا يساعدنا لأنه حينها لن يبقى للروس أصدقاء، وحتى الآن النظام (السوري) يرفض الانخراط في أي نقاش سياسي".

من جانب آخر، قال الباحث في معهد عمران، نافار سابان، وهو مركز أبحاث يركز على الأوضاع سوريا إن نشطاء أوكرانيين تواصلوا مع منظمة الخوذ البيضاء الإغاثية بغية الحصول على معلومات وخبرات بشأن إنقاذ الناس من وسط الأنقاض عقب الغارات التي تشنها روسيا على مناطق سكنية وتجنب الموت أثناء ذلك.

وفي كلا البلدين، انتهكت روسيا وحلفاؤها المحليون مرارًا وقف إطلاق النار وهاجموا القوافل الإنسانية التي تسعى للهروب من مناطق الصراع، وبالنسبة لموسكو فإن الهدن تعتبر غالبًا فرصة لإعادة تجميع القوات الموالية للكرملين وإعادة ضبط وتعزيز موقفها العسكري.

"وحشية روسيا"
وقد جعل عقد من الحرب كل سوري في إدلب على دراية بطرق وأساليب روسيا في القصف والتدمير، فقد تعرض متحف إدلب، وهو مبنى مهيب معظمه يحتوي على قطع أثرية نادرة تعود إلى العهدين البيزنطي والروماني، للقصف ما يقرب من عشر مرات بالقنابل الروسية.

وكان مديرو المتحف قد أخذوا وأخفوا معظم الأشياء عندما بدأ الصراع، لكن الآثار الثقيلة وبقايا الأنقاض في الفناء بقيت حيث تضررت بسبب الهجمات المتكررة.

ويقول مسؤولو المتحف إنهم يأملون في أن يرى نظرائهم في أوكرانيا بوادر الحرب ويتخذوا كافة الاستعدادات مسبقًا.

ويوضح مدير المتحف، أيمن نابو: "تجربتي هي أن الروس متوحشون ويحاولون تدمير كل شيء، وهم لا يحترمون أي قواعد وقوانين دولية، والآن يحاولون أن يفعلوا بأوكرانيا ما فعلوه بحلب".

تغرق قلوب السوريين وهم يدركون أن نفس المصير الذي حل بهم على يد بوتين وحلفائه يمكن أن يصيب أمة أخرى، وتطاردهم بشكل خاص صور عمال الإنقاذ المذعورين وهم يسحبون جثثاً هامدة من تحت أنقاض المباني السكنية، والأمهات وهن حالة ذهول بسبب أطفالهن القتلى.

وتوضح سارة قاسم إنهم مرعوبون مما يحدث ويخشون أن يعاني الأوكرانيون ما مروا به"، موضحة: "ما أخاف منه مجازر ومذابح جماعية ومعاناة".

وتختم بالقول: "ما سيحدث هو معاناة لسنوات، وليس لأيام أو شهور فقط.. سوف يصبح أمرًا روتينيًا بالنسبة لهم. وسيدمر العدو كل شيء، ليس فقط الناس والمباني، بل أرواح الأحياء لأنهم قد لا يستطيعون العودة إلى ديارهم أبدًا ".