تباطؤ في عملية استيراد القمح: لقمة الفقير في خطر ووجوه عدّة للأزمة

التحري | فتات عياد | Saturday, March 26, 2022 9:33:12 PM
فتات عياد


يوم أعلن وزير الصناعة اللبناني، جورج بوشكيان، تقنين استخدام الطحين وحصره بصناعة الخبز، في ظل استمرار أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثيرها بواردات البلاد من القمح، إلى أن "نتمكن من تأمين القمح من كندا وغيرها"، نوّه يومها الوزير إلى أن "الأزمة عالمية وليست لبنانية". وصحيح أنّها ليست مرتبطة بلبنان وحده، لكن الأزمة في بلاد الأرز، تولّدُ "أزمات" بفعل تراكم "خميرة" فشل الدولة وتقاعسها في الاستجابة الطارئة للأزمات، فكيف إذا كان حاكم مصرف لبنان -المتهرب من القضاء- هو المسؤول عن صرف اعتمادات تمويل استيراد الطحين، ليصبح التمويل المرتبط بالأمن الغذائي، مهدداً، من بوابة صراع القضاء- المصارف، ما يهدد بدوره صناعة الخبز، "لقمة الفقير"!

"خففنا إطلالاتنا لما نعمل هلع بس الوضع ما بيطمّن"... بهذه الكلمات المقتضبة والمخيفة في آن، عبّر نقيب أصحاب الافران والمخابز علي ابراهيم في حديث لـ"التحري"، عن مخاوفه من انعكاس أزمة القمح على فقدان الخبز من السوق اللبناني.

ولأزمة الطحين التي أثرت بشكل مباشر على السوق المحلي وجوه عدّة، فالمخزون في لبنان لا يكفي أكثر من شهر في حد أقصى، والاستيراد توقف كنتيجة مباشرة للحرب الروسية على أوكرانيا، حيث 60% من القمح يأتي من أوكرانيا، والباقي من روسيا ورومانيا.

وفي حين توقف إمدادات القمح المعتادة، فإنّ تأمين البديل عن القمح الأوكراني سيكون من الهند وأميركا وبعض الدول الأوروبية، وذلك "إذا تمكنّا من الوصول إلى نتيجة معها" بحسب ما قاله وزير الاقتصاد أمس الأول أمين سلام.

ومن اليوم وحتى "الوصول إلى نتيجة" مع هذه الدول، وتحرير الإعتمادات المطلوبة من مصرف لبنان، فإنّ السوق اللبناني أمام تهديد حقيقي بانقطاع مادة القمح منه، وبالتالي، انقطاع الخبز...

انفجار المرفأ... والمخزون المحدود

ويبدو أنّ "الاتفاق بين تجمع المطاحن في لبنان ووزراء الاقتصاد والتجارة أمين سلام، الصناعة جورج بوشيكيان والزراعة عباس الحاج حسن، على حصر تسليم الطحين المخصص لصناعة الخبز العربي إلى الأفران، وذلك من أجل الاستمرار في إنتاج هذا النوع من الطحين لأكبر فترة ممكنة، ولحين وصول كميات اضافية من القمح"، لن يمنع اللبنانيين من "الهلع" على لقمة الخبز التي يعتبر القمح مادة صناعتها الأساسية، وهو لن يمنع بالتالي التهافت على الأفران في الأيام المقبلة وتخزين الطحين.

والهلع الذي تبرره الأزمة العالمية ومحاولة بعض البلدان المصدرة للقمح تقليص صادراتها بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي لشعوبها، عدا عن زيادة الطلب على القمح وارتفاع أسعاره العالمية... يصبح مفهوماً بصورة أوضح عندما يصدر عن الشعب اللبناني فاقد الثقة بالمنظومة الحاكمة، والعاجزة عن معالجة أزمات أبسط من ذلك بكثير...

لا بل أن طبيعة الأزمة العالمية، لا تبرئ المنظومة من مفاقمة تلك الأزمة، فلو لا انفجار مرفأ بيروت لما تضررت صوامع القمح التي تتسع لـ120 ألف طن من القمح، وهو ما كان ليكفي لبنان 6 أشهر، ويجنبه احتمال فقدان القمح من مخزونه، فيما لا يستطيع لبنان اليوم استيراد كميات تكفي حاجته لأشهر، يضاف إلى ذلك تباطؤ الحلول سواء لناحية الحسم في وجهات الاستيراد البديلة، أو حتى، صرف الاعتمادات والتمويل.
هذا وشكّل "اكتشاف" مستودعات تل عمارة البقاعية التي تفوق بحجمها إهراءات مرفأ بيروت، صدمةً لدى اللبنانيين، سيما أنه يأتي بعد أكثر من عام على انفجار المرفأ فيما لم تؤمن الدولة عن اهراءات القمح في مرفأ بيروت أي بديل، فيما البديل حاضر، وهو يتسع لكمية 400 ألف طن من القمح، أي ما يفوق حتى سعة اهراءات المرفأ(120 ألفاً)!

ومن هنا حتى يتضح وضع هذه الإهراءات وما إذا كانت جاهزة لتخزين القمح فيها، فإن التخزين ليس المشكلة الوحيدة، بل أنّ الاستيراد نفسه لم يتم "الإفراج" عنه بعد...

ابراهيم: القصة "عالقة" لدى مصرف لبنان
والاستيراد من أميركا والهند "بدو وقت"

"القصة ما بتطمّن"، و"مش عم نحكي عالإعلام إلنا فترة تا ما يقولوا عم نعمل هلع... بس هالشي ما بيلغي إنو رايحين ع مطرح مش منيح"، بهذه الكلمات يختصر نقيب أصحاب الافران والمخابز علي ابراهيم وضع إنتاج الخبز وخطورة فقدان السلعة في الأيام المقبلة، إذ أن مهلة الشهر ونصف الشهر من القمح التي حددت كحد أقصى لتكفي حاجة السوق قبل تزويده بقمح مستورد جديد، مر منها أكثر من 20 يوماً ولم يبق سوى القليل.

في السياق، يشرح أنه "لقد أجرينا اجتماعا منذ شهر مع وزير الاقتصاد والنقابات المعنيّة التي تستورد القمح وتصنع الخبز ولم يحدث شيء ملموس على صعيد استيراد كميات جديدة فيما نصف المخزون المتبقي منذ اندلاع الحرب في اوكرانيا تمّ صرفه".

و"القصة كلها عالقة في مصرف لبنان"، يقول ابراهيم، "فالتحويلات والأموال التي من المفترض أن تصرف لاستيراد كمية الـ50 ألف طن الذين أقرّت الدولة شراءهم، لم تصرف لها اعتمادات حتى الساعة".

هنا، يعلّق ابراهيم مستنكراً بالقول "الدول التي تحترم نفسها تؤمن مخزوناً للقمح في الأزمات العالمية، إلا نحن "ناطرين لآخر لحظة"، وقد مرّ قرابة الشهر ولم نحرك ساكناً. بل أسوأ من ذلك، فإنه وفي أحسن السيناريوهات "استيراد القمح من الهند وأميركا يستغرق أسابيع للشحن وليس مثل اوكرانيا وروسيا التي خلال عشرة ايام يصل القمح منها إلى لبنان، أي أنه حتى لو صرفت الاعتمادات اليوم وتم الاتفاق مع هذه الدول، فإن خطر انقطاع الخبز من السوق ولو لأيام لم يعد سيناريو بعيد الحدوث بل أن العكس هو الصحيح".

لسنا كاريتاس

هذا ويعلق ابراهيم على إطلالة وزير الاقتصاد أمين سلام التلفزيونية أمس الأول، ويقف عند رده على سؤال نقيب الأفران في الشمال طارق المير له، كيف "يهرب" من اجتماع الأربعاء الدوري لتحديد جدول أسعار الخبز "كلما ارتفع الدولار"، ليجبيه سلام بأنه "ما بدّي غلّي سعر ربطة الخبز".
ويتساءل ابراهيم باستنكار شديد "هل يحسبنا الوزير كاريتاس؟!"، وصحيح أنه "نحن لا نقطع لقمة الخبز عن أهلنا اللبنانيين، لكن ما ذنبنا بارتفاع الدولار ولماذا يحرص الوزير على عدم رفع السعر دون إيجاد بديل لنا يحمينا من الخسارة التي نتكبدها وحدنا"؟

وساخراً من إيجاد الدولة لبديل للمخابز والمطاحن، يقول "إذا قمح ما قادرين تشتروا، بدكن تأمنولنا بديل!"، لافتا إلى أنه " 74% من المواد التي تدخل في صناعة الخبز نشتريها بالدولار من سكر إلى خميرة ونيلون... ووحده القمح بالليرة، وبيعنا بالليرة، أي أن هامش ربحنا محدود". سيما وأن صناعة الخبز تتأثر بارتفاع أسعار المحروقات.
ونحن "نؤمن الرغيف للناس، لكن هل دعانا الوزير للإقفال؟"، يقول ابراهيم مستغربا رد الوزير على المير بقوله له " ما اجا حدا لعندي قللي انا عم سكر وبدي اربح"، سائلاً "هل المطلوب منا أن نقفل ونوقف صناعة الخبز ليصدقوا أننا مش عم نربح؟!.

لقمة الفقير...
وفي وقت وضعت فيه كوتا على الأفران، حيث تحدد الوزارة الكميات الموزعة لها من الطحين، يكشف ابراهيم عن ظاهرة تترجم تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وهي "انكبابهم على شراء الخبز لسد جوعهم، والتعويض عن كميات الطعام التي نقصت جراء فقرهم"، مضيفا "ما في شي اليوم حقو 10 آلاف ليرة الناس تاكلوا غير الخبز".

عملياً، وعلى صعيد آلية الدفع لاستيراد الخمسين الف طن من القمح الذي ستشتريه الدولة اللبنانية، فقد كشف الوزير سلام أنه "قد حصل تطور في هذا الإطار هو أن البنك الدولي سيقدم برنامج عمل مع وزارة الاقتصاد والتجارة الهدف منه الأمن الغذائي، أي علينا العمل أيضا مع مصرف لبنان لتأمين الكميات المطلوبة لأنه في حال الدفع قدما بالبرنامج مع البنك الدولي بالسرعة المطلوبة فهو يحتاج الى شهر".
وفي وقت أضاف فيه سلام أن "المرحلة الراهنة تتطلب تجاوبا من قبل مصرف لبنان لأن موضوع القمح، كما الدواء، لا يمكن المساس به، ويجب أن تكون هناك تسهيلات وسرعة في البت بالأموال المرصودة لها”. يكمن السؤال بسبب عدم السرعة بالبت في تلك الأموال المرصودة للقمح في ظل أزمة عالمية تهدد لقمة الفقير في لبنان ووجب وضع استجابة طارئة لها.

ونكايات سلامة في حربه مع قضاء العهد، وتوقيت تحريره للاعتمادات الذي غالبا ما يتقاطع مع مصالح مشغليه.. يطرحان تساؤلات حول سيناريو ربط استيراد القمح بمساعدة البنك الدولي وارداً، بمعنى، ألا يتم تمويل الاستيراد حتى قبل أشهر من اليوم، ما قد يمدّ في عمر الأزمة، ويحرم الفقير من لقمة خبز تقيه شرّ الجوع، يكون مدخلاً لأزمة تهدد الأمن الغذائي اللبناني، وهو ما مهّد له سلام نفسه، في حديثه عن "مجاعة في لبنان إذا لم يحصل اتفاق مع صندوق النقد".

بحث

الأكثر قراءة