"سرّ" غموض موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا!

اقليمي ودولي | | Wednesday, April 13, 2022 10:13:18 AM
عربي بوست

غموض وارتباك يسود موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا، بشكل أثار تساؤلات حول أسباب هذا الغموض، هل يرجع إلى عدم الرغبة في إغضاب روسيا أم بسبب تأثير الأثرياء اليهود الروس على الحكومة الإسرائيلية؟

كان أفيغدور ليبرمان، وزيرة مالية إسرائيل السوفييتي المولد، واحداً ممن حاولوا إمساك العصا من المنتصف في محاولته لصياغة موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا.

إذ قال الوزير اليميني المتطرف، لإذاعة راديو يوم الإثنين 11 نيسان: "روسيا تتهم أوكرانيا، وأوكرانيا تتهم روسيا. بينما نحتاج هنا للحفاظ على موقف إسرائيل الأخلاقي من ناحية، وعلى مصالحها من ناحيةٍ أخرى".

ولا شك أن هذا التصريح يسلط الضوء الأسباب المحتملة وراء موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا، الذي بدا حذراً وحمالاً للأوجه، بشكل أثار تساؤلات في الغرب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأميركية.

فهناك من يرى أن موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا نابع من الدور السياسي والاجتماعي الذي يلعبه الإسرائيليون الناطقون بالروسية من دول الاتحاد السوفييتي السابقة- وخاصةً رجال الأعمال الروس-الإسرائيليين المرتبطين بالكرملين.

وتجنّب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت انتقاد روسيا بشكلٍ مباشر عموماً، تاركاً توجيه الإدانات للكرملين لوزير خارجيته يائير لبيد.

ويُنظر إلى هذه الموازنة الحساسة في موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا على أنها محاولةٌ من أجل السماح لإسرائيل بالوساطة بين الجانبين الروسي والأوكراني، وتجنب تعريض اليهود في روسيا وأوكرانيا لهجمات معادية للسامية، والحفاظ على العلاقة الحساسة مع الجيش الروسي في سوريا، وفقاً لتقرير صحيفة New York Times.

ولكن أدى عزوف إسرائيل عن إغضاب روسيا إلى زيادة التدقيق في حجم تأثير رجال الأعمال والساسة الناطقين بالروسية على عملية صنع السياسات والمجتمع الإسرائيلي.

ومن بين 9.2 مليون مواطن، ينحدر نحو 13% من جمهوريات سوفييتية سابقة وتأهلوا للجنسية بفضل أصولهم اليهودية. وأصبح بعضهم من الشخصيات السياسية الرفيعة مثل أفيغدور ليبرمان وزئيف إلكين، وزير الحكومة الآخر. في حين يسيطر آخرون مثل يتسحق ميريلاشفيلي، مالك قناة تلفزيونية يمينية إسرائيلية، على المنافذ الإعلامية التي تساعد في تشكيل الخطاب العام في إسرائيل. بينما صار العديدون من أكبر المتبرعين للمؤسسات السياسية الإسرائيلية مثل رومان أبراموفيتش، الملياردير الذي عاقبته بريطانيا بسبب علاقاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وترجع أصول ثلث سكان إسرائيل الناطقين بالروسية تقريباً إلى خلفيات أوكرانية، أي نفس عدد أولئك الذين ترجع أصولهم إلى روسيا نفسها بحسب بيانات الحكومة.

لكن النفوذ الذي يتمتع به أفراد الأوليغارشية الروسية-الإسرائيلية ليس السبب وراء موقف إسرائيل المحايد من الحرب الأوكرانية بحسب ما تنقل New York Times عن بعض الخبراء، إذ يرجع القرار في المقام الأول إلى مخاوف الأمن القومي الإسرائيلي.

إذ قال ليونيد نيفزلين، الملياردير الروسي-الإسرائيلي الذي يمتلك حصة أقلية في صحيفة Haaretz ذات النزعة اليسارية: "لا أرى أي تأثيرٍ للأوليغارشية المؤيدة لبوتين على الحكومة بكل صراحة. حيث إن موقف إسرائيل بخصوص أوكرانيا مبنيٌّ على الرأي العام لمؤسسة الدولة الإسرائيلية. والأولوية الأولى هنا هي مصالح دولة إسرائيل".

وإيغور كولومسكي، الأوليغارشي الأوكراني الذي كان من رعاة حملة زيلينسكي الانتخابية، هو مواطنٌ إسرائيليٌ أيضاً. ولا يزال شقيق إلكين يعيش في مدينة خاركيف الأوكرانية التي تتعرض لقصفٍ روسي عنيف. في حين كان ناتان شارانسكي من أشد منتقدي سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه أوكرانيا، بعد أن ظل معتقلاً سوفييتياً لتسع سنوات بسبب محاولته الهجرة لإسرائيل.

وربما يعارض شارانسكي نهج الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع روسيا، لكنه قال إن موقفها "لا علاقة له مطلقاً" بتأثير الأوليغارشية الروسية-الإسرائيلية.

إذ أردف شارانسكي: "أوضح لي جميع وزراء وقادة الدول مرةً تلو الأخرى أننا نواجه تحديات في سوريا. ومن سوء حظنا أن الغرب سلّم مفاتيح سماء سوريا لبوتين. ونتيجةً لذلك لم يعد أمامنا خيارٌ سوى التوصل إلى تفاهمٍ استراتيجي معه".

فيما قال محللون إن الإسرائيليين الروس البارزين يتمتعون برأس مالٍ اجتماعيٍ أوسع يُتيح لهم الوصول إلى صناع القرار والرأي في البلاد. لكنهم لا يتمتعون بهذا النفوذ بطرق مباشرة، أو ملموسة، أو قابلة للقياس تحديداً وخاصة قياس تأثيرهم المحتمل في موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا.

وتشمل قائمة أصحاب النفوذ الثقافي ميريلاشفيلي مالك قناة Channel 14 العبرية، وهي قناة تلفزيونية يمينية صغيرة، والعديد من شركات التطوير العقاري والتقنية. بينما لا يزال والده ميخائيل ميريلاشفيلي يتمتع باستثمارات ضخمة في مجال الطاقة والعقارات داخل روسيا، لدرجة أنه وظف يفغيني بريغوجين- الأوليغارشي المقرب من بوتين الآن- كمديرٍ لأحد مطاعمه في التسعينيات.

أما لين بلافاتنيك فهو مواطنٌ بريطاني-أمريكي مزدوج الجنسية صنع ثروةً طائلة في روسيا، كما يمتلك حصةً كبيرة في قناة Channel 13 العبرية التي تعتبر من أكبر القنوات الخاصة في البلاد.

بينما موّل فيكتور فيكسلبيرغ، رجل الأعمال الإسرائيلي-الروسي الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، شركة تجسس كان يرأسها وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي بيني غانتس. لكن الشركة انهارت بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ ضد فيكسلبيرغ عام 2018.

من جانبه تبرّع أبراموفيتش بمئات الملايين من الدولارات للجماعات الإسرائيلية منذ حصوله على الجنسية عام 2018، وشملت تبرعاته مستشفى وجامعة ومنظمةً استيطانية. ولا شك أن هذه التبرعات قد أكسبته التأييد، حيث كتب العديد من الإسرائيليين البارزين مؤخراً خطاباً إلى السفير الأميركي في القدس لمطالبة واشنطن بإعفاء أبراموفيتش من العقوبات.

لكن وزير المالية أفيغدور ليبرمان لطالما استخدم منصته لصرف الانتقادات عن بوتين. وحين كان وزيراً لخارجية إسرائيل عام 2011، أثنى على الانتخابات البرلمانية الروسية باعتبارها حرةً وديمقراطية، رغم المخاوف العالمية واسعة النطاق إزاء عدالتها. ثم جادل ضد الانضمام للعقوبات الأميركية على روسيا في أعقاب ضم الأخيرة لشبه جزيرة القرم عام 2014.

ولا شك أن هذه النوعية من التدخلات قد تركت تأثيراً لا مفر منه على بعض الإسرائيليين وحتى الأعضاء في الحكومة بحسب نيفزلين. إذ أضاف أنه بدون تلك التدخلات، ربما كان "خطاب الحكومة الإسرائيلية إزاء الأزمة سيصبح أكثر وضوحاً، وكان دعم ومساعدة أوكرانيا سيبرزان إلى الواجهة أكثر".

وتتمتع الأوليغارشية اليهودية السوفييتية المولد عموماً باستقبالٍ أكثر دفئاً داخل إسرائيل مقارنةً ببعض الدول الأخرى، لأن تراثهم اليهودي يعني أنهم لا يُعتبرون من الغرباء بالضرورة وفقاً لميتشيل باراك، المحلل الإسرائيلي الذي يُجري أبحاثاً حول الرأي العام في روسيا إسرائيل.

لكن بروز رجال الأعمال الناطقين بالروسية لا يمنحهم القوة الكافية لمطالبة الساسة الإسرائيليين بـ"الاستماع إلى الكرملين" وفقاً للدكتورة فيرا ميشلين-شابير، خبيرة الشؤون الروسية والإسرائيلية في كلية كينجز لندن. بل يمنحهم ذلك البروز ببساطة منصةً للمجادلة بـ"وجود جانبٍ مختلف للقصة، والمطالبة بالاستماع إلى جميع الأطراف، وانتظار ما يرغب الروس في قوله حول الأمر".

يُذكر أن الحكومة الإسرائيلية لم تفرض عقوبات رسمية ضد الإسرائيليين الروس المرتبطين ببوتين. لكنها ألمحت كذلك إلى عدم رغبتها في أن تصبح مركزاً لغسيل الأموال الروسية.

إذ حذرت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفاراتها علناً الأسبوع الجاري من قبول أي تبرعات من الأفراد الخاضعين للعقوبات. كما حظرت إسرائيل على اليخوت والطائرات المسجلة لأجانب البقاء داخل إسرائيل لأكثر من 48 ساعة، في محاولةٍ تستهدف إثناء أفراد الأوليغارشية الروسية عن الانتقال لإسرائيل.

كما أن رجال الأعمال الإسرائيليين الناطقين بالروسية ليسوا بالضرورة أكثر ثراءً من المهاجرين ذوي الخلفيات القومية الأخرى. إذ إن قائمة أغنى 100 إسرائيلي، التي نشرتها مجلة Forbes الأميركية، لم تضم سوى 10 أشخاص فقط من ذوي الأصول السوفييتية- أي أقل نسبياً من حجم المواطنين الناطقين بالروسية وسط الإسرائيليين.

فضلاً عن أنّ غالبية المتبرعين الأجانب للمؤسسات الإسرائيلية البارزة ينحدرون من أميركا الشمالية وغرب أوروبا.

وخير دلالةٍ على طبيعة الأمور هو أن المنافذ الإعلامية المملوكة لروس لم تأخذ موقفاً مؤيداً للكرملين في الأزمة، كما جرى حظر موقعي أخبار ناطقين بالروسية بواسطة موسكو في آذار بسبب تغطيتهما للهجوم الروسي على أوكرانيا.

وقال نيفزلين إنه سيكون "من المستحيل تماماً" أن يضغط مسؤولٌ تنفيذي إعلامي إسرائيلي-روسي على الصحفيين لاتخاذ موقفٍ مؤيدٍ للكرملين.

إذ سيواجه ذلك المسؤول حينها ردود فعلٍ محلية ودولية قوية في وقتٍ يسعى فيه هؤلاء الأشخاص إلى التواري بعيداً عن الأنظار.

وأوضح نيفزلين: "ستُفرض حينها العقوبات عليهم. فلماذا قد يفعل أي شخصٍ عاقل ذلك؟".

بحث

الأكثر قراءة