خسائر لبنان مع رياض سلامة: من شركة "فوري" و "السواب – البدعة" مع المصرفي بول روفائيل إلى منصة "كلنا إرادة"؟

التحري | مريم مجدولين اللحام | Wednesday, June 1, 2022 11:44:09 AM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

للمنظومة الاستبدادية الحاكمة في لبنان وسائل كثيرة في تطويع الشعب الثائر لحقوقه. وباع طويل في إخضاعه إرادياً. لعلّ أهمها، ايهامه بالانتصار والوصول إلى ناصية التغيير. وفي الآونة الأخيرة شهدت سطوة المصارف شأواً كبيراً في يوميات الناس، خصوصاً بعد الحجز التاريخي على أموال المودعين ومن ثم ترويج معضلة "تبديدها بشحطة قلم". الأمر الذي، دفع بالكثيرين إلى الترحيب بطروحات البحث عن حلول "تستثمر" أو "تخصخص" أو "تُلزّم" أصول الدولة المتهالكة، وتعفي في ثناياها ناهبي أموالنا العامة والخاصة. لا بل، تعيد إحياء نفس "السيستم" بـ"مصرفيين جُدد".

وبعيداً عن الوقوع في فخ شخصنة النقاش السياسي-الاقتصادي الدائر حول "كيفية إطفاء خسائر القطاع المالي وطرق معالجتها"، أو ما نشهده من إعادة انتاج موسعة وتعديلات في موازين القوى للطبقة الحاكمة بشقيها الاقتصادي والسياسي يترافق تجديد للنخبة الأوليغارشية ذاتها... لا يمكن البحث عن مليارات دولارات لبنان الضائعة، الا بالتدقيق في سجلات أداء وسياسة وتجاوزات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي بدأت منذ أعوام طويلة مع تسلمه حاكمية مصرف لبنان عام 1993 أي ما يقارب عتبة الثلاثين عاماً، ويستمر مفعولها حتى اليوم.

وفي هذا الصدد أشار تقرير مالي أن خسائر الودائع في المصارف فاقت الـ72 مليار دولار، فيما أن الدولة اقترضت أقل من 10% من هذا المبلغ من البنك المركزي. أما المنتفعين من سياسات سلامة فهم أعمدة "المنظومة" وأساساتها من "أصحاب مصارف محلية، وكبار موظفي مصارف أجنبية وسياسيين من مختلف الاتجاهات السياسية".

تراكم الخسائر
أما كيف تراكمت تلك الخسائر، فالأمر تفاقم مع السعي الغريب للحاكم سلامة، وهَوسه الدائم لتكوين احتياطي عملات كبير في سياسة متعمدة لسحب الدولارات بلعبة الفوائد وبتعاميم تحدّ من التوظيفات المصرفية في الخارج.
سلامة كان يغري المصارف منذ ما قبل 2002 منذ اختراعه لعمليّات التبديل "السواب" وتأجيل استحقاقات سندات خزينة لمدد أطول وفوائد أعلى.
وبعد ذلك، ابتدع سلامة الهندسات المالية الشهيرة. واستمر في أساليبه تلك لغاية عشية انفجار الأزمة في تشرين الأول 2019، وبفوائد لا يمكن أن تحلم بها المصارف في الخارج.

تفاصيل عملية الاحتيال
وبما أن من حضر السوق باع واشترى، تأسست مؤسسة "فوري" المالية سنة 2002 وهي الشركة الوسيطة المسجلة أو المتصلة بإسم رجا سلامة شقيق رياض سلامة التي راحت تأخذ لمصلحتها عمولات تسويق أوراق مالية لبنانية قدرها 0.375% وعلى عمليات بيع سندات الخزينة وسندات اليوروبوندز وتسويق شهادات إيداع في المصرف المركزي كما على عمليات التبديل-السواب دولار مقابل ليرة.
وبهذا، جمعت كوسيط "حصري" من تلك العمولات 326 مليون دولار (المعلن عنها)، رغم أن معظم المصارف وكبار المصرفيّين وموظفي المصرف المركزي، لم يعرفوا باسم ذلك الوسيط "فوري" إلا بعدما انفجرت فضيحته في حسابات سويسرية أوائل العام الماضي.
كل ذلك، مع أن مصرف لبنان لم يتعامل مع أي وسيط آخر. إنما انحصر هذا التعامل بعمليات لا أثر ورقي لها، بلا أي "إيصال عمل أو فواتير" صادرة عن هذا الوسيط الحصري لصالح المصرف المركزي. وهي أوراق تذرع سلامة أنها احترقت "سبحان الله" دون غيرها في حادثة تفجير الرابع من آب.

وفي الحديث عن" سواب سلامة"، يُقال ان الحريري اكتشف ان رياض سلامة رتَّب مسألة التبديل-"السواب" مع السوريين وأقنعهم بها، وكان هناك من يبلغ الحريري ان سلامة يفعلها من وراء ظهره.

كما كانت ذكرت معلومات مقربة من الرئيس الراحل رفيق الحريري أن مسألة التبديل "السواب" أي تجديد سندات الخزينة قبل استحقاقها كان أحد التباسات العلاقة بين الحريري وسلامة بعد توزير فؤاد السنيورة وزيراً للمال. هو الذي كان بدوره يرى في المسألة، فائدة مادية مباشرة لسلامة، وأنه قد نقل ثقافة عمليات التبديل-"السواب" من شركة "ميري لانش" (من أهم شركات الاستثمار في العالم) حيث كان يعمل، إلى بنك الـ"كريدي سويس" بفائدة اكثر وعمولة أكبر، بسبب دور صديق سلامة الشخصي وزميله السابق في البنك السويسري "بول روفائيل".

بول الذي أمضى، قبل انضمامه إلى Credit Suiss 10 سنوات لدىMerrill Lynch حيث شغل في البداية منصب رئيس لأنشطة الأسواق الناشئة ثم رئيس للخدمات المصرفية الاستثمارية الفرنسية وتغطية عملاء التكنولوجيا والاعلام والاتصال (TMT) في أوروبا، ليشغل اليوم وبالصدفة منصباً في مجلس إدارة منصة "كلنا إرادة" التمويلية، كتفاً إلى كتف مع زميله السابق بالصدفة كذلك، بسّام يمين، الذي قاد بدوره نمو وتطوير مصرف Credit Suisse في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى ست سنوات بصفته الرئيس التنفيذي المشارك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ورئيس قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية.

لماذا "كريدي سويس"؟
كان بول روفائيل موظفاً في احد المصارف اللبنانية – الفرنسية في لبنان انتقل منه للعمل في شركة "ميري لانش" وأصبح مسؤولاً عن تسويق سندات الخزينة للدول ثم اصبح مسؤولاً رفيعا في "كريدي سويس".
واعتباراً من تاريخ انتقال روفائيل الى "كريدي سويس"، ميّز رياض سلامة هذا البنك بحيث صار يسوّق عبره سندات خزينة الدولة اللبنانية وأصبح لبول روفائيل حصة شرعية في تقاضي العمولات لحساب المستفيدين منها.

وهنا ولدى التدقيق في ملف شركة "فوري" لرجا سلامة شقيق رياض سلامة وهي شركة تتعاطى نقل الاموال، بلا إيصالات أو فواتير، برز ضرورة أن يتم الطلب من "كريدي سويس" تقديم كشف بالمبالغ المدفوعة كعمولات على سندات الخزينة المكلفة بها من قِبل الدولة اللبنانية لتسويقها؟ وما هو حجم هذه العمولات؟

وهل لرياض سلامة المعروف عنه انه كان يتقاضى عمولات عندما كان في شركة "ميري لانش" مسوقاً لسندات الخزينة ويبيع ويشتري الاسهم لحساب الآخرين حصة منها؟

ولماذا انتقل بالعمل من "ميري لانش" الى "كريدي سويس" عند انتقال بول روفائيل اليه (وهو اليوم كلنا إرادة)؟

ما هذه الصدفة التي، تجمع ما بين ظهور منصة "كلنا إرادة" مع وصول لبنان إلى "مرحلة اللاعودة" و"البحث عن إعفاء تشريعي" يشطب كل ما سبق؟

بالتالي، عندما يُطرح سؤالٌ عن أسباب طرح النواب الممولين من منصة "كلنا إرادة" طرح صندوق إدارة الأصول والأملاك العامة و"استثمارها" لإطفاء الخسائر بدلاً عن استعادة اموال "السواب وغير السواب" المنهوبة، تظهر التحليلات السياسية والتراشق التخويني ونظريات المؤامرة. لكن ثمّة إجابة شافية هنا، في ملف مؤسسة "فوري" الذي بات مفتوحاً على مصراعيه في القضاء اللبناني ولاسيما الدولي، ولا بد من التحقيق مع أشخاص ممن كانوا على صلة وطيدة بسلامة وعملياته وهندساته لجلاء كامل الحقائق.

ففي ضوء تعنّت المافيا الحاكمة والمحمية من الميليشيا تماشياً مع حقيقة أنه "إذا وقع سلامة، نقع جميعاً"، تمخّضت توليفة سياسية جديدة، تحاول اختلاق حل بعيد كل البعد عما يحتاجه لبنان فعلاً... كـ"بيع لأصول المصارف في الخارج وكشف السرية المصرفية عن أعضاء مجالس ادارتها لإعادة الأموال المهربة والمنهوبة واستقلالية القضاء وتفعيل قانون الإثراء غير المشروع".

وهنا نعوّل على نواب التغيير الذين أعلنوا في حوارات صحافية عدة، رفضهم القاطع لأنصاف الحلول كابراهيم منيمنة، فراس حمدان، ميشال الدويهي وحليمة قعقور.

بحث

الأكثر قراءة