عقارات بيروت المتضررة من الانفجار: بين جمعيات نهبت اموال المساعدات ومحافظ متواطئ لـ"تقليع" المستأجرين القدامى!

التحري | مريم مجدولين اللحام | Tuesday, June 28, 2022 8:30:01 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

لا بد في ظل التعقيد الشديد الذي تمرّ به قضايا العقارات المتضررة من انفجار مرفأ بيروت، من فتح هذه الملفات للرأي العام بشكل يكشف الواقع القائم، من جمعيات "لا تبتغي الربح" أحكمت سيطرتها على أموال الداعمين وتعاملت باستنسابية ونهب مع الملف إلى استهتار بلدية بيروت ومهندسيها وتعاون مريب لمحافظ بلدية بيروت مروان عبود مع أصحاب العقارات لـ"تقليع" المستأجرين القدامى ودفعهم إلى التخلي عن حقوقهم المحمية قانوناً بلا أي تعويض. في هذه المقالة سنتناول تحديداً عقاري "643 و644 الرميل" بالتفصيل، لنعود في مقال لاحق لسلسلة تكشف "بلاوي" ما يحدث في بيروت!

كيف باتت الصلاحيات بيد المحافظ؟

في رد الفعل الفوري على انفجار مرفأ بيروت، تحركت قيادة الجيش تلقائيًا وحضرت إلى المرفأ ونشرت عناصرها في محيطه. وبعد إعلان حالة الطوارئ وبتكليف من مجلس الوزراء، استجابت القيادة للوضع وأنشأت "غرفة طوارئ متقدمة للجيش اللبناني في الطابق الأول من مبنى القصر البلدي لمدينة بيروت" برئاسة العميد الركن سامي الحويك. وفي هذه الغرفة فريق متكامل للعمليات المركزية (ضباط وعسكريين من مديرية المخابرات والتأليل والشؤون الجغرافية وممثلين عن وزارة الاتصالات والأشغال العامة والنقل، والطاقة والصحة والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى ممثلين عن محافظة بيروت ومجلس بلديتها والصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني والهيئة العليا للإغاثة).

بالوضع الطبيعي، إذا كان هناك مبنى مهدد بالانهيار كانت الجهة المكلفة بالمتابعة هي "نقابة المهندسين والتنظيم المدني ومديرية الآثار" لا بل "سيستم آخر كلياً". أما وقد حدث انفجار ضخم، بات كل شيء بيد بلدية بيروت المعنية مباشرة، مع غرفة عمليات بإدارة الجيش وذلك كما شرحنا بقرار من مجلس الوزراء.

تلك الجهات المعنية والمؤسسات الخاصة (وهنا مصيبة جمعيات النهب)، صارت تجتمع على مدار الأسبوع ولساعات متقدمة من الليل، من أجل قيادة جهود الاستجابة للكارثة على صعيد الأنشطة الرئيسة، وذلك انطلاقًا من الدعم الفوري، أي تأمين الغذاء والطبابة والمأوى، وصولًا إلى تنظيف موقع الانفجار والمناطق المجاورة، فترميمها وإعادة بنائها.

وكحل أولي، أصدر محافظ بيروت القاضي مروان عبود قراراً بتاريخ 9 آب رقم 10615 سنة 2020 (وهو قرار جامع ما قبل الكشف على العقارات) يعتبر أن كل الأبنية خطرة، وهو أمر طبيعي ومن الأمور الاحترازية ، كما طبعت ورقة على العقارات تنص على التالي: "بناء على كتاب محافظ بيروت يُرجى إخلاء المبنى القائم على العقار رقم.... وعدم الدخول إليه بصورة مؤقتة لحين التأكد من رفع الخطر" وتم اخراج كل السكان من بيوتهم ومحالهم التجارية وكل ما يملكونه تُرك "بأرضه".


ممنوع العودة!

وفي اليوم التالي 10 اب 2020 صدر قراراً آخراً عن محافظ بيروت رقم 10648 وبعد مراجعة "الدائرة الفنية المختصة بمصلحة الهندسة على الابنية القائمة على العقارات" حدد فيها الأبنية التي تُعتبر خطرة ولم يكن عقار 643 و644 الرميل من ضمنها. إلا أنه وبالرغم من هذا لم يسمح للمستأجرين القدامى كابريال وكميل وإيلي لطوف العودة إلى المكان المأجور ، فهم قبل الانفجار المشؤوم كانوا يشغلون بالاتحاد والانفراد المأجور الكائن في العقار 644/الرميل الطابق الأرضي ضمن عقدي ايجار والمأجور الكائن في العقار رقم 643/الرميل الطابق الأول بموجب عقد ثالث والعائدين للمالكين "لور والياس البستاني".
وبعد أيام في 14 آب 2020 أصدر المحافظ عبود بلاغاً جاء فيه تعليمات لـ"جميع الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تقدم المساعدة في أعمال الإغاثة في مكان الانفجار التقدم بالتصريح" وبهذا تنظمت أعمال جمعيات غب الطلب التي بدأت بطلب المساعدات المالية من الخارج ورصد المنح التي "شحذت الأموال على ضهر أوجاع الناس".

وصلت مساعدات مالية هائلة بمئات آلاف الدولارات لمديرية الآثار ومخصصة للصرف على التدعيم المؤقت للأبنية التراثية وللأسف تواطأت الوزارة مع بعض الجمعيات التي حُددت باستنسابية ملفتة فصُرفت الاموال، وتم تليزيم عملية التدعيم المؤقت للجمعيات تلك دون غيرها رغم أنها إما جديدة أو تابعة لفنانين أو مؤثرين ولا تعنى بالبناء ولا تضم مهندسين ولا تعرف أدنى معايير السلامة، بل إن غالبية اختصاصها التسويق والإعلان، وهو ما سنكشفه لاحقاً بالأرقام كم صرف ولمن أعطت الأموال.



تحديد العقارات الخطرة

حددت بلدية بيروت الأبنية المتضررة بناء على تقارير المهندسين علي حيدر وجهاد البقاعي، وما أن صدر في الـ10 من آب القرار الثاني لعبود والذي حدد نطاق الخطر، ومع أنه لم يكن يذكر العقارين 643 و644 الرميل الا انه كان يذكر الكثير من الأبنية التي يُشك بكونها خطرة، ويُشك بأنه وبهذه السرعة تم حسم القرار...

"طلعت الصرخة" وعليه مُنع الجميع من دخول الأبنية حتى ولو لم تكن من ضمن التي حددها المحافظ أنها غير خطرة. وبدأت تنهال المراجعات على غرفة عملية بيروت وعلى الجيش والسؤال "على أي أساس تم تحديد الخطر، في حين هناك تقارير تتعارض مع رأي البلدية، فطلب المسؤول في الجيش آنذاك كل التقارير من البلدية، فاعترض المهندسان، وعليه هددهم بأن لديهم 3 ساعات لإرسال التقارير أو أن الشرطة القضائية ستسحب الملفات بالقانون، فوافقا على تسليم التقارير ليتبين أنها أوراق ليس فيها أي شرح مفصل ولا تعتمد على معايير، وأكثرها مكتوب عليها نفس الجملة "عالماشي": أعمدة ستنهار والمبنى خطر.

هنا، اتخذت غرفة عمليات الجيش قراراً بإعادة التقييم بدون بلدية بيروت ضمن غرفة عمليات في وزارة الدفاع وإرسال مختصين من جهتهم وصار الجميع بانتظار تدعيم كل الأبنية حتى منها التي لا خطر عليها، وانتظار تقارير المديرية العامة للآثار أيضاً. بعدها أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت قسم القاضي عيد قراراً بتاريخ 24 أيلول سبتمبر 2020 رقم 792 قضى بمنع الدخول إلى العقارين 643 و644 وتكليف الجهة المرسلة مباشرة أعمال الترميم وانتهت الأعمال التدعيمية. كل ذلك والمستأجرين القدامى لأكثر من 50 عاماً ينتظرون "حق العودة"!

استحداث مصعد

جاء تقرير صادر عن المديرية العامة للآثار (وزارة الثقافة) في 12 تموز 2021 بحيث وبنتيجة الكشف على العقارين تبين أن البناء التراثي القائم فيها قد تعرض جزئياً للانهيار بنتيجة انفجار مرفأ بيروت، وقد لحظ الكتاب: انجاز حفريات في الطابق الأرضي لتوسعة هذا الطابق إلى الجهة الخلفية من البناء في العقار 644 واستحداث لمصعد كهربائي، ما يدل أن المبنى آمن وسليم. كما لحظ اعمال تدعيم بعناصر معدنية حيث يلزم وبالحد الأدنى بما يتلاءم مع أهمية البناء وطابعه التقليدي وترميم للأسقف الموجودة وتأهيل لتكنة القرميد التقليدية مع استحداث نافذة ضمنها مع خفض جزء من أرضيتها.

أي في التقرير أبدت المديرية العامة للآثار الموافقة على المنهجية المبدئية المقترحة لترميم البناء التراثي القائم في العقارات 642-643-644 من منطقة الرميل العقارية واقترحت بهذا الإطار تكليف مهندس مرمم مختص لإعداد الدراسة اللازمة التي تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على التقنيات التقليدية التي يتميز بها هذا البناء وعرضها مسبقاً على هذه المديرية العامة لابداء الرأي. وذلك بإشراف وتوقيع المدير العام للآثار سركيس الخوري ومرسل جانب المهندس رولاند حداد. وبنتيجته إن المبنى آمن كلياً. إلا أن المدير العام نفسه، سركيس الخوري قد رفض إعطار أي تقرير لصالح المستأجرين كي يعودوا.

إنذار ومطالبة بـ600 ألف دولار أو التنازل

ما تلا ذلك يظهر حجم تواطؤ إدارة بلدية بيروت في التغطية على مخطط تهجير المستأجرين القدامى بلا أي تعويض من العقار المتضرر.
توجه المستأجرون القدامى إلى المكان، بعد عامين من المعاناة، ومنعوا مجدداً من دخول العقار، وفوجؤوا بإنذار منظوم من قبل المحامي بيتر جرمانوس (وكيل المالك) ومرفق بقرار موقع من محافظ بيروت مروان عبود يُعارض قراره السابق بتاريخ 3 آذار رقم 1802 سنة 2022 قضى بإخلاء كامل البناء نتيجة الخطر على السلامة العامة.
لا نعلم هنا، كيف قرر المحافظ أن العقار خطر وعلام اعتمد؟!. اعتبره خطراً بعد سنتين من الانفجار، وبعد أن تم تدعيم البناء وتأكيد آخر من الكشف الذي قام به الجيش بأن المبنى ليس من ضمن الأبنية الخطرة! مع أنه هو نفسه وفي الـ10 من آب لم يذكر العقار من بين العقارات التي يجب توخي الحذر منها!

وقد استحصل أصحاب المبنى من شركة مانوكيان على قائمة بكلفة التصليحات بلغة 27 مليار و737 مليون و875 ألف ليرة ألف ليرة لبنانية. في حين بلغت حصة الجهة المرسل إليها من قيمة هذه التصليحات مبلغ 3 مليار و83 مليون و303 آلاف و166 ليرة لبنانية بالنسبة للطابق الأول من العقار 643/الرميل. بالإضافة إلى توجيه إنذار بوجوب دفع لأصحاب العقار مبلغاً وقدره 6 مليار و843 مليون و918 ألف و582 ليرة لبنانية ضمن مهلة 20 يوماً من تاريغ التبلّغ تحت طائلة تحميلهم كمستأجرين أي أذى يلحق بالغير نتيجة انهيار المبنى كلياً أو جزئياً.

أي باختصار، إدفعوا 600 ألف دولار، أو "نحملكم مسؤولية أي ضرر أو أذى يمكن أن يلحق بالغير نتيجة انهيار المبنيين جزئياً أو كلياً تحت طائلة التقدم بحقكم بدعاوى مالية وإفلاسية وحجز أموالكم المنقولة".
أما الخلاص فهو بإبلاغ الدولة أنهم كمستأجرين "يتنازلون عن الإجارة" بلا أي تعويض.

من يحمي المستأجرين القدامى؟

وبعيداً عن الخوض في مسألة الترميم وكيف رُصدت الأموال للجمعيات، ما الذي دفع محافظ بيروت الانحياز لأحد طرفي النزاع؟ وعلام اعتمد في تقريره الذي يناقض عدة تقارير منها تقرير المديرية العامة للآثار؟

ومن يحمي اليوم غالبية المستأجرين القدامى من الاستغلال والتخلي عن تعويضهم القانوني؟ وهل يحق لوكيل المالك (المحامي) أن يوجه انذاراً بهذا الشكل أو أنه "لا شيء يمنعه" من القيام بذلك فيتصرف كما لو أنه الآمر الناهي المانع للمستأجرين من دخول عقارهم؟ ألا يظل المستأجر داخل المأجور إلا إذا كان فعلاً مهدد بالانهيار ويشكل خطراً على السلامة العامة وهذا الأمر أي الخطر لا يحدده وكيل المالك أو المالك إنما لجنة هندسية مختصة مكلفة رسمياً وحتى في وجود الخطر وبالإمكان ترميم المأجور؟

بحث

الأكثر قراءة