دراسة لطارق البيطار تعيده إلى التحقيق بملف المرفأ... إليكم ما جاء فيها

التحري | | Monday, January 23, 2023 6:14:59 PM


‏بعد ١٣ شهرا من توقف التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت عاد القاضي طارق البيطار الى عمله بموجب دراسة قانونية اعدها تنصّ على التالي:

إن المادة ٣٥٦ من أصول المحاكم الجزائية أخذت بعين الاعتبار معياراً واحداً لا غير متعلّق بطبيعة الفعل الجرمي لإحالة الدعوى العامّة إلى المجلس العدلي دون إعطاء أي اعتبار لهوية المرتكبين سواء أكانوا من السياسيين أو الإداريين أو العسكريين أو القضائيين. وقد تأكد هذا المنحى في الفقرة الأخيرة من المادة السابق ذكرها والتي كرّست ‎المفعول الساحب للجرائم المحالة إلى المجلس العدلي، إذ أوردت أنه وبعد إحالة الدعوى إلى المجلس العدلي نظراً لطبيعة الجرائم، ترفع أية محكمة سواء أكانت عسكرية أو عادية يدها عن جميع الدعاوى المتعلقة بهذه الجرائم، بحيث يصبح المجلس المجلس العدلي المرجع الوحيد الصالح للبت بها.

ورفعاً للقيود التي قد تعيق عمل المحقق العدلي؛ منحت المادة ٣٦٢ أصول محاكمات جزائية هذا الأخير صلاحيات في الملاحقة مماثلة لتلك العائدة للنائب العام التمييزي، إذ أوردت بأن قاضي التحقيق العدلي يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية وإن أظهرت التحقيقات وجود مسهم في الجريمة فيستجوبه بصفة مُدعى عليه.

وعليه وبحسب هذا النص الذي جرى إدراجه عن دراية بالنصوص المتعلقة بالمجلس العدلي، فقد أعطي المحقق العدلي ‎سلطة موازية لسلطة الملاحقة المناطة حصراً أمام المجلس العدلي بمدعي عام التمييز، فتكون تالياً له صلاحية الملاحقة العائد لهذا الأخير متى أصبحت الدعوى العامة أمامه ويُصبح ‎بغنى عن الحصول على أي ‎إذن بالملاحقة توجبه القوانين ذات الشأن وذلك أسوة بمدعي عام التمييز كما يغدو بمقدوره دعوة القضاة أمامه لاستجوابهم بصفة مدعى عليهم وإحالتهم من ثم للمجلس العدلي في حال جرى اتهامهم، سيما وأن الهيئة المذكورة هي هيئة موازية من حيث الأهمية للهيئة العامة لمحكمة التمييز

وحيث أضف إلى ذلك، فإن التعديل التشريعي الذي أجاز رد أعضاء المجلس العدلي وتنحيتهم، قد اقترن بوجوب تعيين قاضي إضافي أو أكثر ليحل محل الأصيل وذلك بموجب مرسوم التعيين عينه، رامياً من خلال ذلك إلى الحؤول دون عرقلة سير المحاكمات،

وهذا ما يؤكد أيضاً على عدم جواز ‎رد أو ‎تنحية المحقق العدلي وإلا لكان المشروع قد أوجب تعيين محقق عدلي إضافي في قرار التعيين إسوة لما فعل بالنسبة لأعضاء المجلس العدلي.

وعليه واستناداً لكل ما تقدم يتبدى بوضوح بأن المشرع جعل من المحقق العدلي محققاً خاصاً لا تنطبق عليه أحكام الرد والتنحية، وتنتهي مهامه بإصداره لقراره الإتهامي، رامياً من وراء ذلك إلى عدم عرقلة التحقيقات في الجرائم الهامة التي تحال إلى المجلس العدلي، ويبقى للمجلس الأخير المذكور في حال التظلم من أي قرار كان قد أصدره المحقق العدلي النظر نهائياً بمدى صوابيته.

وحيث إضافة إلى كل ما تقدم فإن قرار تعيين المحقق العدلي هو قرار مستقلّ ومنفصل تماماً عن مرسوم إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي، وبالتالي فإن مركز قاضي التحقيق العدلي لا ينشأ إلا بعد صدور قرار عن وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى بتسمية المحقق العدلي في الجريمة بحيث يكون المركز لصيقاً بالقاضي الذي تمت تسميته

الأمر الذي يستنتج منه أي قرار قضائي بتنحية المحقق العدلي ينطوي حتما على إلغاء مركز جرى إنشاؤه إدارياً بموجب قرار وزاري ويشكل إخلال بمبدأ ‎فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور اللبناني.

وحيث وفضلاً عما تقدم وفي ما يتعلق بطلبات نقل الدعوى، فهي ‎تفترض وجود مرجع قضائي آخر ‎مواز ومماثل للمرجع القضائي المطلوب نقل الدعوى من أمامه، وهو أمر غير متحقق في حالة الطلب الرامي إلى نقل الدعوى من أمام المحقق العدلي، المكلّف إسمياً بموجب قرار تعيينه في قضية محددة، وذلك في ظل عدم وجود أي مرجع آخر قائم ومواز له يمكنه أن يتابع التحقيقات في حال تقرر النقل، ما يجعل من غير الممكن تقديم هذا النوع من الطلبات بوجهه.

وحيث أن صدور قرارات قضائية خلافاً لذلك يندرج في إطار الإجتهادات القضائية التي وإن كانت لها مفاعيل توجيهية إلا إنها لا تتسم بقوة الإلزام.

وحيث أن المجلس العدلي هو محكمة خاصة أنشأها القانون لكي تنظر في نوع خاص من الجرائم الهامة والخطرة التي حددتها المادة ٣٥٦ أصول محاكمات جزائية، ويتبين بوضوح من كيفية تأليفه، وذلك من خلال مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى ومن درجة القضاة الذين يتألف منهم وهم الرئيس الأول لمحكمة التمييز
إضافةً إلى أربعة قضاة من المحكمة المذكورة، إنه محكمة مستقلة تماماً، ولا تعلوه أية محكمة أو هيئة قضائية أخرى، ويعتبر هيئة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز (يراجع في هذا المعنى الاجتهاد الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز الرقم ٢٣ تاريخ ١٩٩٥/١١/١٨).

وحيث وبعد ان كان الإجتهاد، قبل صدور قانون اصول المحاكمات الجزائية الجديد الرقم ٢٠٠١/٣٢٨، يمنع رد اعضاء المجلس العدلي او تنحيتهم على ما يتضح من قرار الهيئة العامة السابق ذكره، فقد تدخل المشرع بموجب القانون الأخير مجيزاً في المادة ٣٥٧ منه رد وتنحية اعضاء المجلس العدلي دون أن يجيز هذا الأمر بالنسبة للمحقق العدلي.

وحيث أن حصول قاضي التحقيق العدلي على سلطات واسعة في الملاحقة دون الوقوف امام اي قيد انما يجد تبريره ايضاً بصدور مرسوم الإحالة عن مجلس الوزراء، الأمر الذي يعتبر بحد ذاته تفويضاً مسبقاً بالملاحقة والتحقيق صادراً عن المرجع الإداري الأعلى في البلاد، وتنتفي معه بالتالي الحاجة للحصول على أي إذن إداري يوجبه القانون في التحقيقات العادية، مع العلم ان النيابة العامة التمييزية قد ادعت في ورقة الطلب المنظمة من قبلها على كل من يظهره التحقيق في هذه القضية ما يشكل سبباً إضافيا للإستغناء عن الاستحصال على اذونات بالملاحقة او حتى ادعاء لاحق من قبل النيابة العامة المذكورة.

بحث

الأكثر قراءة