تعليق قانوني مقتضب على اجتهاد المحقق العدلي بأحقية استمراره في التحقيق بالملف القضائي، رغم طلب ردّه

التحري | | Monday, January 23, 2023 6:30:32 PM


المحامي د. هيثم عزُّو

رغمَ انني كحقوقي مع وضع حد لعرقلة مجريات العدالة بجريمة تفجير بيروتشيما وفرض غرامات باهظة جداً على اساءة استعمال حق طلب الرد، ورغم انني معجبٌ جداً بالعديد من الافكار الاجتهادية الخلاّقة التي تضّمنها قرار المحقق العدلي القاضي بيطار والتي اتى عليها في محاولة قانونية منه لتجاهل العرقلة والتسويف، إلاَّ انَّنا نرى رغمَ منطقَ تعليلهُ وجود فكرة بسيطة جداً من شأنها أن تُجهض قانوناً أساس اجتهادهِ الذي بناه على عدم امكانية رده قانوناً لانعدام النص على ذلك وتقاطع آلية تعيينهُ مع هذا السبب...

وعلى ذلك نفيد إيجازاً بما يلي:

- حيثُ ولئن كانَ صحيحاً أنَّ القانون الناظم لأصول الاجراءات الجزائية لم ينص صراحةً على امكانية رد المحقق العدلي كما فعلَ بالنسبة لأعضاء المجلس العدلي، إلاَّ أنّهُ منَ الصحيح أيضاً أنّهُ وفقَ المبادئ العامة للقانون يبقى للمحقق العدلي ككقاضٍ حق التنحي من تلقاء نفسهُ إذا ما استشعرَ الحرج او شعرَ بالخطر، اذ لا يمكن إلزامهُ بالنظر في ملف رغماً عنه طالما توافرَ المبرِّر الجدي للتنحي؛ وعليه، وطالما انّهُ يمكن قانوناً للمحقق العدلي ان يعرض التنحي من تلقاء نفسهِ، يكون من الممكن ايضاً قانوناً للمتقاضين أن يطلبوا تنحيَتهِ، أي ردّهِ وبصرف النظر فيما لو نصَّ القانون الإجرائي أو لم ينص على هذا الأمر البديهي والذي يُطبَّق على اي قاضٍ مهما تكن صفتهُ ومهمّتهُ، بما في ذلك قاضي التحقيق العدلي وخاصةً انَّ القول بعكس ذلك يُحوّل صفته من محقق عدلي الى محقق الهي لا يمكن المسّ فيه ولو توافرت العلّة القانونية، وهو أمر لا يستقيم منطقًا وعلماً، ويجهض مقتضيات وضمان إعمال مبدأ حياد القاضي ولا يحولُ بالتأكيد دونَ ذلك آلية وكيفية تعيينهُ شكلياً والتي استهدفَ فقط منها الشارع الجزائي اختيار قاضي تحقيق للقضية المحالة حكومياً على المجلس العدلي يحظى بثقة مجلس القضاء الاعلى وموافقة وزير العدل عليه.

- وحيث نخلص بالنتيجة الى القول وانطلاقاً من وحدة التلازم والقياس بين مؤسستيّ التنحي والرد، انَّ المحقق العدلي الذي يمكنه طلب تنحيه رضائياً، يمكن أيضاً طلب تنحيَتهُ قضائياً وخاصةً انَّ ذلك يضمن لأي من فرقاء الدعوى الحفاظ على استقلالية ونزاهة وحياد القاضي -ومراقبة قضائياً في حالة الشك- استمرار هذه الصفات الواجبة فيه.

- وحيثُ انّهُ علاوةً على ما سبقَ وتقدَّم، يبقى من المفيد التنويه والتذكير في هذا الصدد بأنَّ قانون اصول المحاكمات الجزائية يحيل على قانون اصول المحاكمات المدنية حال غياب النص وهذا الاخير -الذي نصَّ على امكانية رد القاضي- يُعتبَر القانون الاجرائي العام وكانَ قد نصَّ صراحةً في المادة السادسة منه على وجوب اتِّباع أحكامه حكماً حال وجود نقص في القوانين الاجرائية الاخرى كقانون اصول المحاكمات الجزائية وهو ما يعني بالنتيجة القاطعة امكانية رد المحقق العدلي بكونه اولاً واخيراً قاضٍ وكان قد أجازَ القانون العام الناظم للاجراءات وأصول المحاكمات رد القضاة مهما كانوا ودونَ أي استثناء.

بحث

الأكثر قراءة